النسر "سعد شهاب" وإن غادر مبنى محافظة العاصمة سيظل لصيقا بذاكرة الأردنيين
خاص- حسن صفيره
يستذكره العمانيون بكثير من الود، وبعميق المواقف الوطنية التي تشير الى مسؤول كان طيلة تسلمه سدة منصبه القريب من رحم الشارع، وصاحب القرار الثاقب في شؤون محافظة العاصمة، كمحافظٍ لها على مدار خمسة أعوام، سبقها خدمة ربع قرن في أكثر من موقع، العامل المشترك فيها، رجل، الوطن لديه، موطن وموئل لا يقبل الرهان.
الدكتور سعد شهاب ، وبعد مغادرته موقع محافظ العاصمة، لن يمضي بعيدا، فثمة أشخاص تجدهم حاضرين في الواجهة الأردنية، سواء كانوا خارج موقع المسؤولية او داخلها، سيظل لصيقا بذاكرة الأردنيين، وقد اقتسموا معا حلم عمان أجمل العواصم، وكل منهم يغدق عليها من الحب والدلال كعروسٍ عمونية رسخت في القلوب ونسجت أثواب العز والفخار للعمانيين والأردنيين معا.
حضور د.شهاب في سدة العاصمة، لم يكن حضورا وظيفيا بقدر ما كان تماما كحارس الورد، يحمل اناء العشق كل صباح ويمضي الى مكتبه، يقابلك بوجهٍ مريح، يستمع لطلبك بكل محبة، ويصدر تعليماته بكل حزم، فالمسؤولية تُملي عليه متى يكون صلبا، وجوانيته الانسانية ايضا تُملي عليه متى يكون انسانا لأجل الانسان الأردني.
خلال العام ونصف العام من مجابهة المملكة لـ "كوفيد 19"، وقف د.شهاب كجنرال حرب، يصدر الاوامر، ويعقد الاجتماعات، ويتفقد الشارع، وظل متمترسا على تماس مباشر مع مسؤولي الدولة كل في موقعه، لايمانه ان العمل التشاركي يحمي وطن، وان فرد العضلات وحصد البطولات لا يغني ولا يُسمن من جوع.
وقف نسرا متأهبا امام مجابهة الأردن للجائحة، وغدا منذ الساعات الأولى لبداية معركة كورونا الجنرال الأول والمرجعية الأولى في انفاذ قوانين الدفاع، والوقوف على ضرورة سلاستها وسلامتها كأوامر دفاع ثحية لا تقل شأنا عن الأوامر العسكرية، تعامل مع صلاحياته الدستورية بروح القانون، وكرس هيبة الدولة بعيدا عن الشعارات واللغو الفائض، فالميدان كان الحكم والفيصل لتكون رجل ميدان وطن في المقام الاول، وهكذا كان، وقد خرج د. شهاب في أكثر من مرة للاشراف على عمايات العزل لبعض الأحياء اوالبنايات في بدء الجائحة، حينها كان يؤمن تماما أن أي خطأ قد يحدث سيكلف الوطن غاليا، وليس اغلى من المواطن في نهج من يتعاملون مع المنصب بروح الانتماء كما يفعل شهاب!!
وقف شهاب ترسا لصد اي تساهل او تباطؤ بتنفيذ أوامر الدفاع، لتتوالى جهوده الموصولة على مدار الأربع وعشرين ساعة، وتحول الدوام الرسمي الى وقت مفتوح يفضي الى صور عديدة تحمل معنى كيف تحب وطنك قبل ان تخدمه، فكثير من المسؤولين خدموا الوطن انطلاقا من الواجب والراتب، فكان اداؤهم كما حضورهم هشا تذروه اول ريح عابرة.
شهاب في رسالته التي اعقبت رحيله عن سدة محافظة العاصمة، حملت ما لم تقله سطورها، لكنها وضعت حروفها في قوالبها الصائبة، أن لا منصب او موقع قد يصغر شانا او يكبر دون ان تحمل في ثناياك الوطن، وأن المنصب قد يكون لدى البعض محض اداة للتباهي بالانتماء والولاء، نعم فثمة ولاء مُشترى لكنه في حقيقته بضاعة بخسة، لا يحتاجها الوطن ولا يحق لصاحبها ان يتغنى بالوطن.
الوطن في عرف د.شهاب، أعمق من مكان قد تضمه الجغرافيا، وسيرته اكبر من أن يتجاوزها التاريخ، وهو ما تبناه د.شهاب كنهج في ادارته لكل موقع استلمه، فكان المناهض للفئوية والجهوية والهوية الفرعية، بيد ان كل من دخل مكتبه لم يخرج خالي الوفاض، وتحت مظلة القانون حيث لا احد فوق القانون وتحت لوائه لا يُظلم أحدا.