سبسطيا… محط أطماع المستوطنين الصهاينة
الشريط الإخباري :
يقول الصحافيان الإسرائيليان إن موقع سبسطيا الأثري مثله مثل مواقع أثرية كثيرة يقع في مركز صراع يهودي – فلسطيني مزدوج، على السيطرة الفعلية وكذلك على الرواية التاريخية. ويتابع شيزاف وحسون: "يوم الخميس الماضي انتظرت حافلة مصفحة في مدخل مستوطنة شفيه شومرون. المتنزهون الذين كانوا في داخلها انتظروا السيارة العسكرية التي تأخرت من أجل مرافقتهم إلى أحد المواقع الاثرية المهمة جدا في المنطقة وهي سبسطيا، أو كما تسمى بالعبرية "حديقة السامرة الوطنية”.
في هذه الأثناء حذر المرشد بأن هناك احتمالية عالية لأن تتعرض الحافلة لرشق الحجارة في الطريق. ويستذكران بناء مستوطنة كدوميم قريبا من الموقع وهي المستوطنة الأولى التي أقيمت في المنطقة بعد حرب 1967 وان حنان بورات أحد قادة الاستيطان أغمض عينيه وقتها لأنه شاهد أمام عينيه المستقبل الذي سيأتي فيه اليهود في المستقبل للتنزه هنا وسيكون هنا نصف مليون مستوطن”، كما قال المرشد.
وينوهان لارتفاع عدد الإسرائيليين الذين يزورون هذا المكان في العامين الأخيرين والآن تذهب إليه مجموعات منهم بمعدل مرتين في الاسبوع تقريبا ويتوقعان زيارته أيضا في الأيام القادمة من قبل مئات الإسرائيليين.
ويقولان إنه إلى جانب المجموعات تم احضار إلى الموقع في السنة الأخيرة أيضا عدد من السياسيين الذين نشروا الوعود- منها ما هو واقعي ومنها الاقل واقعية. ويستذكران أنه في كانون الثاني الماضي أعلن وزير شؤون التراث والقدس في حينه، رافي بيرتس، في تصريح في المكان بأنه يطلق برنامج لمنع سرقة الآثار في الضفة الغربية وخصص لذلك ميزانية.
أما وزير الأمن الداخلي في حينه، أمير أوحانا، الذي تجول في المكان أعلن عن نيته إقامة نقطة للشرطة في سباسطيا. ولكن عند إعطاء هذا الوعد حصل على ردود متشككة، ولا نريد القول المضحكة، من المستوطنين.
ويتابع الكاتبان الإسرائيليان في نقدهما: "يرمز بدرجة كبيرة، توزيع السيطرة في المكان إلى العبثية الكامنة في تراث أوسلو: قمة التلة التي توجد في معظم الآثار تعتبر مناطق ج، منطقة تقع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية المطلقة. في المقابل مدخل الموقع الذي يشمل موقف كبير للسيارات والمقاهي ومحلات لبيع التذكارات توجد في مناطق ب، التي تقع تحت السيطرة المدنية الفلسطينية. آثار أخرى توجد في القرية هي أيضا توجد تحت سيطرة السلطة الفلسطينية”.
"حديقة وطنية”
رغم أن المكان يعتبر "حديقة وطنية” وفق مزاعم الاحتلال إلا أنه منذ الانتفاضة الثانية فإن تواجد رجال سلطة الطبيعة الإسرائيلية قليل جدا باستثناء الأعياد. ويقولان إن قلب الموقع الذي يوجد تحت سيطرة الاحتلال فيعاني من الاهمال، ضمن أمور أخرى، تم رشّ كتابات على الكنيسة فيه وفي هذه الأثناء فراغ السلطات الإسرائيلية يقوم بملئه المستوطنون وعلى رأسهم مركز التجول والتعليم في الضفة الغربية.
ويضيفان: "بالنسبة لهم سبسطيا ليست مجرد رمز للانتصار الاستيطاني في 1975، بل أيضا هي لاعبة رئيسية في النضال من أجل وضع الضفة الغربية على خريطة التنزه للإسرائيليين وهواة الآثار بشكل خاص”.
الآثار والسياسة
ويتفق الكاتبان الإسرائيليان مع باحثين مناهضين للاحتلال بأن تشجيع العلاقة بين الاستيطان اليهودي والآثار ليس شيئا جديدا. ويتابعان "عمليا الحديث يدور عن لبنة أساسية في حركة الاستيطان وفي السنوات الأخيرة انحرفت التقليعة أيضا إلى مواقع بعيدة منها التي توجد تحت سيطرة السلطة الفلسطينية”.
وبرأيهما تجسد العلاقة بين الاستيطان والآثار داخلها نضالين: الأول، النضال من أجل السيطرة الآنية – من له الحق في التنزه والتطوير والحفاظ على الموقع. والثاني، النضال من أجل الرواية التاريخية – ما هي قصة المكان ولمن يعود الكوشان الأخلاقي عليها. في سباسطيا هذه النضالات ازدادت مؤخرا على خلفية أعمال تطوير قامت بها السلطة الفلسطينية في المكان من جهة، ومن جهة أخرى زيادة قوة حملة استيطانية تطلب فرض السيادة على مواقع اثرية في الضفة الغربية المحتلة”.
المعركة الأخيرة
ويشيران إلى أن المعركة الأخيرة على المكان بدأت قبل نهاية العام 2020، حينها أنهت السلطة الفلسطينية الأعمال التي قامت بها في الموقع ووضعت على المدخل علم فلسطيني كبير. وبسرعة تم إصدار أمر عسكري يأمر بإزالة العلم "الأسباب أمنية” وهنا يستذكر رئيس بلدية سباسطيا، محمد عزام، أنه منذ اللحظة التي بدأنا فيها بالقيام بالتصليحات بدأت الادارة المدنية بالتدخل في هذا الامر بضغط من المستوطنين”. موضحا أن المستوطنون جاءوا لالتقاط الصور والزعم بأننا ندمر الموقع الأثري لكن كل شيء كان بإشراف اليونسكو.
وكانت إحدى الجهات التي فعلت ذلك هي "محافظون على الخلود”، وهي جمعية مستوطنين تم تأسيسها في 2015، رئيسها موشيه غوتمان الذي قال في هذا المضمار قال: شاهدنا أشخاصا وهم يعملون بالفؤوس بصورة أضرت بالآثار”.
وينبه شيزاف وحسون أنه بالنسبة لغوتمان المقيم في مستوطنة كوخاف هشاحر فإن سباسطيا هي أحد الأمثلة الواضحة على المسح المتعمد للتراث اليهودي في الضفة بينما تنفي السلطة الفلسطينية ببساطة العلاقة التوراتية للموقع”.
وبالنسبة لرئيس البلدية عزام فقال للصحيفة إنه لا يوجد في سبسطيا أي شيء يعتبر تاريخ لليهود أو إسرائيل، مشيرا لمعارضته محاولات تزوير هذا التاريخ. ونوهت "هآرتس” إلى أن أقوال عزام تردد الموقف الفلسطيني المتصلب مؤخرا والذي يرفض وجود أي علاقة تاريخية يهودية مع أماكن مثل سباسطيا بصفتها موقع فلسطيني – كنعاني.
عزام معني بنقل رسالة للإسرائيليين مفادها أنه هو والبلدية يعارضون بشكل مطلق دخولهم إلى داخل حدود القرية، بالأساس بمرافقة عسكرية وتنقل عنه "هآرتس” قوله إن هناك خططا لمجلس البلدية لمواصلة تطوير أجزاء الموقع الموجودة تحت مسؤوليتهم بمرافقة اليونسكو”.
هواية متعددة الثقافات
وحسب مزاعم الصحافيين الإسرائيليين فإن الآثار في سباسطيا ترفض الخضوع لرواية وطنية واحدة بسيطة، تروي قصة تاريخية – ثقافية معقدة: "الطبقات القديمة في المكان هي في الحقيقة مرتبطة بعاصمة بيت عمري، حكام "مملكة إسرائيل”، المملكة الشمالية التي انقسمت حسب الكتاب المقدس عن المملكة الموحدة لداود وسليمان. في هذه الطبقات تم اكتشاف عدد من البقايا المهمة جدا من هذه الفترة، مثل بقايا قصر ومغارة محفورة في الصخر للدفن وادوات خزفية عليها كلمات بالعبرية وغيرها. لكن هذه البقايا هي ايضا مثابة الدليل الأقوى في أيدي علماء الآثار الذين يرفضون التوراة كوثيقة تاريخية.
الآثار في سبسطيا تثبت أنه خلافا لما كتب في التوراة فان السامرة- ليس قدس داود وسليمان- هي المدينة الأكثر أهمية في تلك الفترة في البلاد”. ويقولان إن المكتشفات من العصر الحديدي في القدس هي قليلة بما لا يقاس مع المكتشفات الموجودة في سبسطيا وانه حتى مع تجاهل النقاش التوراتي فان المكتشفات في سبسطيا هي أيضا لا تساعد على صياغة رواية إسرائيلية قاطعة وواضحة – الأهم من بينها من الفترة الإسرائيلية، هي في الواقع قطع عاجية بزخارف سورية وفينيقية ومصرية.
من اجل تبني هذا الموقع مطلوب من المرشدين أن يتبنىوا ملوك إسرائيل، الذين حسب التوراة كانوا من الخطائين الكبار. وحسب عالم الاثار يوني مزراحي، رجل الآثار البديلة لسلطة الاثار الإسرائيلية "عيمق شافيه” فإن المستوطنين يقومون بعملية "إعادة تأهيل” لعمري واحاف مثلما قاموا بتبييض هورودوس الذي قتل آلاف اليهود وتحول إلى الباني الأكبر، هكذا هم أيضا يقومون الآن بتبييض عمري”.
لي ذراع الحقيقة
والانتقاد الموجه لـ”تأميم الآثار” لصالح رواية وطنية لا يعتبر أمر خاص بإسرائيل فهناك عالم آثار فلسطيني أراد أن يبقى اسمه مجهول، وجه الانتقاد للأعمال التي قامت بها البلدية الفلسطينية في المكان والتي شملت ترتيب موقف للسيارات وإعادة ترميم الأرصفة في المجمع حول الموقع. وحسب "هآرتس” انتقد هذا العالم الاثري أيضا وضع العلم: تحت البناء كانت هناك اثار من المنتدى، وهناك مكتشفات اثرية لم يتم التعامل معها بشكل سليم، قال عالم الآثار. من ناحية مهنية هذا كان خطأ كبير يغطونه بالوطنية ويضعون العلم”.
وتوضح "هآرتس” على لسان صحافييها أن الطبقات الجديدة في الموقع تعقد القصة أكثر فأكثر لأنها تضم مدينة رومانية بناها الملك هورودوس وعلى رأسها هيكل عظيم لجلالة القيصر اوغوسطس. وحسب يوسيفوس كلافيوس كان الهيكل كبير جدا بحيث أن السفن التي دخلت إلى ميناء قيساريا الذي يبعد 40 كم من هناك كان يمكنها أن توجه طريقها استنادا إليه ولاحقا ترك البيزنطيون في المكان كنيسة فاخرة وقصص مقدسة عن مكان دفن رأس يوحنا المعمدان وكذلك ترك الصليبيون والمسلمون أيضا بقايا مهمة في التلة ومحيطها.
وتشير "هآرتس” إلى أنه في هذه الأثناء يتم معظم الجولات في المكان تنسيقها من خلال الجمعية الاستيطانية المذكورة الخاصة بالسياحة (مركز الجولات) باستثناء سباسطيا. ويهتم المركز بالتنسيق مع الجيش والمرافقة، وهكذا يجعل الأماكن قابلة للوصول إليها من قبل الجمهور الواسع. منوهة إلى أن المركز المدعوم من مركز التعليم قد انشيء في 1986 وفي المعدل يتنزه بواسطته 50 ألف شخص في السنة، من بينهم طلاب مدارس يهود وحتى أنه في الأشهر الأخيرة انشيء نزل للمبيت في المكان.
القدس العربي