البطاينة : وزير الصحة جانب الصواب أمام الملك ولم يقل الحقيقة
الشريط الإخباري :
المهندس سليم البطاينه
وزير الصحة جانَبَه الصواب أمام الملك ولم يقل الحقيقة .. والدولة ومنذُ سنوات تُخفض موازنة الصحة والرعاية الصحية تدريجياً .. وحصة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي ضئيلة جداً لا تكاد تُذكر.
إننا نتحدث عن موضوع له من الخطورة مكانة كبيرة بين الأردنيين ، وبعيداً عن التفاصيل المملة والتي مللنا تكرارها لابد للأنظار أن تتجه إلى الواقع المؤلم الذي يعتري قطاع الصحة العام في الأردن .. فثمة شيء واضح أن واضعي السياسيات يفتقرون إلى بُعد النظر وعمق التفكير ، ويعانون من الفقر السياسي .. فالإدارة التي تُدار من خلال هندسة الجهل لها ثمن باهظ .. ولا يعقل بأي شكل من الأشكال أن تكون موازنة الأمن تفوق أضعاف موازنات الصحة والتعليم عشرات المرات.
وبنظرة واحدة إلى كاريكاتور المشهد نرى حقيقة ما يجري ، فلا يمكن لإنسان عاقل أن يجادل في حقيقة أن قطاع الصحة العام في الأردن يشهد انهياراً وتدنٍ غير مسبوق .. فالأزمة باتت معقدة ومُركبة وترجع جذورها إلى سنوات طويلة مضت .. والمواطن أصبح لا حيلة له ولا قدرة وما عليه إلا القبول بهذا القدر الذي فرض عليه .. فالعلاج بالنسبة له ليس رفاهية ولم يكن في يوم من الأيام نوعاً من الترف أو سلعة تكميلية.
وحديث الوزير أمام جلالة الملك جانَبَه الصواب ولم يقل الحقيقة كاملة والمشكلة الرئيسية هي مالية بحتة .. فعدم توفر المخصصات المالية هو أساس الإنهيار الحاصل في قطاع الصحة العام ، وحصر المشكلة أنها إدارية وتقصير ليس صحيحاً.
فللأسف فما زالت هناك أصوات داخل الدولة تتبنى مصطلحات البنك الدولي والصندوق وتقول أن مجانية الصحة تقود إلى الخسارة .. ولا يعرفون أنه حينما يطول الإنتظار وتتضح الصورة المؤلمة الحقيقية لقطاع الصحة العام ستتحول المشكلة إلى كارثة.
ودور وزارة الصحة تراجع أصلاً منذ سنوات طويلة عندما تم تقليص موازناتها بحيث أحدث أزمة كبرى من نقص في الأدوية والمستهلكات الطبية ونقص في الأطباء والأخصائيين وخدمات التمريض ، ومشاكل أخرى خطيرة كتردّي البنى التحتية والتقنية والبشرية للقطاع.
فقد تناقص عدد الأسرّة بالمستشفيات العامة من ١٨ سرير لكل عشرة آلاف مواطن إلى ثمانيةُ أسرّة .. فتخفيض المخصصات المالية لوزارة الصحة والرعاية الصحية يعتريه الغموض وميزان المخاطر تميل كفته نحو تصورات معاكسة لا يعرف عنها عامة الأردنيين ، وهي تدخل في صُلب الشك ، والواقع المُزري لوزارة الصحة ما هو إلا انعكاس لما أعترى الدولة من فشل مُتراكم ، والإضعاف المستمر لقطاع الصحة العام سيؤدي إلى زعزعة الإستقرار الإجتماعي والسياسي.
وما يقلقُنا هو التآكل المستمر والمُطّرد لكافة المؤسسات الصحية الحكومية .. فسابقا كانت الدولة تُنفق على الرعاية الصحية نسبة كبيرة من ناتجها المحلي الإجمالي ، وكان هناك توازن في تطورات الخدمات الإجتماعية.
ولمن لا يعرف فإن القطاع الصحي العام في الأردن يُمثل الملاذ الوقائي والعلاجي لما يقارب ٧٠٪ من الاردنيين ( مشمولين وغير مشمولين ) .. فالدول المتقدمة في العالم وصل فيها نصيب الفرد من موازنة الرعاية الصحية حوالي ٢٠٠٠ دولار ، وهنا أدعو وزير الصحة لمراجعة تقارير البنك الدولي خلال ١٠ سنوات حول وزارته.
فغالبية حكومات العالم تُنفق ما بين ٥٠٪ – ٦٠٪ من ناتجها المحلي الإجمالي لتوفير حياة كريمة لشعوبها .. لكننا في الأردن حالياً لا نُنفق أكثر من ٢،١٪ من حصة الناتج المحلي الإجمالي على قطاع الصحة العام .. وزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم يقلل أحتمالات سقوط الناس في براثن الفقر ، فهناك ترابط قوي بين الفقر واعتلال الصحة.
وهنا أُذكر أنه قبل عشرون عاماً كانت هناك نية مبيّتة لخصخصة قطاع الصحة العام .. فقد تم عقد اجتماع بفندق الأردن برئاسة الأمير مرعد بن زيد وحضور مجموعة مثل ريما خلف والدكتور محمود الطاهر والدكتور نائل العجلوني وخالد طوقان .. وممدوح العبادي وزيد حمزة اللذان عارضا بشدة تلك التوجهات.
فالملاحظ أن هناك من يعمل في الخفاء ويشق الطريق بقوة نحو تشويه صورة قطاع الصحة العام ويمهد لخصخصته .. فالإهتمام بالأهداف الصحية قصيرة المدى على حساب الأهداف طويلة المدى سيخلق مشاكل وكوارث كبيرة في القريب العاجل .. فالخدمات الصحية من أولى مسؤوليات وواجبات الدولة نحو مواطنيها وهي الصلة الأساسية بين المواطن ودولته ، وهي أكثر ما يُثير القلق الإجتماعي.
فأي كارثة نتظر حتى نستفيق ، فالأردنيون باتو لا يجدون فارقاً بين ماضٍ أتى بالمخاطر وحاضر لا يسر الخاطر ! فأزماتنا متوالدة وهي نتاج سياسات فاشلة ولا أحد يريد حلها أو يتحمل المسؤلية في البدء بحلها لأن هناك من هو رابح وكثير من الخاسرين.