حالةٌ من الإستعصاء السياسي بالعراق هدفها إعادة الفوضى لسيطرة قوى اللاّدولة
الشريط الإخباري :
النائب الاردني السابق م. سليم البطاينة
قبل كل شيء لا أخفي إعجابي بشخصية رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي لمًا تتّسم به شخصيّته من رصانة ورجاجة عقل وعمق في التفكير ، والقدرة على تجنب الصدام المباشر .. فهو شخصية لا تُعادي أحداً وصاحب عقلية برغماتية ويمتلك علاقات مع كل اللاّعبين الأساسيين على الساحة العراقية بحكم عمله السابق كمديرٍ لجهاز المخابرات العراقية .. فقد عرف عنه كيف يكون صديق لعدوّين فهو أصلاً لا ينتمي لحزب سياسي وليس لديه كتلة برلمانية تحميه .. فعلى العكس فهو معتدل ويرفض كافّة الأيدولوجيات الطائفية.
ولطالما دعا إلى النأي بالعراق عن المحاور الإقليمية وبنى سياسته على حقائق صعبة بحسن تقديره وتسييره للأمور.
ومع وجود صعوبة في قراءة ما يحدث على الساحة الداخلية العراقية .. إلا أنّه منذُ اليوم الأول لطرح اسم رئيس جهاز الإستخبارات العراقية مصطفى الكاظمي كرئيس للوزراء واجه الرجل معارضة شرسة من كتائب حزب الله العراقي ( أقوى الكتائب الموالية لإيران ) على الأرض العراقية التي اتّهمته صراحة بتسهيل اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري في إيران .. وأبو المهدي المهندس ( المؤسس الفعلي لقوات الحشد الشعبي ).
فالكاظمي جاء على رأس حكومة انتقالية قبل سنة ونصف بعد أن اطاحت الحركات الإحتجاجية بحكومة عادل عبد المهدي واعتذار الرئيس المكلّف حينها عدنان الزرفي عن تشكيل الحكومة .. وحاز الكاظمي على أكبر توافق نادر بين شتى الفصائل العراقية خصوصاً في عراق ما بعد ٢٠٠٣.
فقبل خمس سنوات تقريباً كتب الكاظمي ( وهو أصلا كاتب وصحفي ) مقالاً تم نشره بموقع AL -Monitor الإلكتروني الأمريكي وضع فيه أساس رؤيته السياسية لأيّة نخبة تُريد حكم العراق .. واصفاً العراق بالدولة الضعيفة ذات الوضع السياسي الهش .. فعند تسلّمه لمنصب رئاسة الوزراء في العراق كان يعرف مسبقاً حجم المتاعب والمصاعب التي ستقف أمامه خصوصاً السلاح المنفلت خارج إطار الدولة وأمن وسيادة العراق ، والتي هي بنظر الجميع منقوصة ومنتهكة .. وأحياناً معرضة للشكوك.
فجميعنا يعلم أن أزمة العراق داخلية وشاملة وتدخل في صُلب نسيج الدولة ومؤسساتها السياسية ، فالصراع والنفوذ السياسي والفساد في العراق أفسدوا تقديم الخدمات بشكل مباشر للعراقيين .... فحتى الآن لم يستعد المشهد العراقي الداخلي عافيته عقب الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت بأكتوبر الماضي بسبب استمرار المظاهرات التي تُطالب بإعادة العد والفرز .. فالحشد الشعبي على سبيل المثال يحمّلُ الكاظمي المسؤولية في حصول تزوير في الإنتخابات والتي تراجعت فيها مقاعد ( تكتل الفتح ) الممثل للحشد الشعبي إلى الحد الأدنى .. فقانون الإنتخاب الذي تمت الإنتخابات من خلاله استند إلى نظام الدوائر وقسّم العراق إلى ٨٣ دائرة انتخابية وُزّعَت عليها مقاعد البرلمان البالغة ٣٢٩ مقعداً شريطة أن يكون التمثيل النسائي ٢٥٪ من المقاعد .. وهذا القانون حال دون فوز ساحق لأيّة كتلة سياسية بعينها ، فعلى رأي المحللين السياسيين فإن قانون الإنتخابات الأخير أعاد توازن القوى من جديد إلى المسرح السياسي العراقي.
فالكاظمي رجل المخابرات الهادىء والمفاوض البارع واللاّعب الماكر حاول خلال الفترة القصيرة من حكمه لملمة الشتات السياسي واستفاد من الملفات التي كانت بحوزته أثناء عمله الإستخباري ، ووقف أمام امتحان صعب في محاولة انتهاج سياسة التوافق مع الجميع ، وسلك مسلكاً برغماتياً إلى حد ما في كبح جماح الفصائل المسلحة الموالية لإيران وكسر شوكتها داخل المؤسسات الأمنية.
وهذا بالتأكيد سيدفع الفصائل الموالية لإيران داخل العراق لعمل كل ما في وسعها لإستبعاد الكاظمي من المرحلة القادمة.
فقد حاولت حكومة الكاظمي إدخال إصلاحات مهمة من خلال ( الورقة البيضاء ) التي تضمنت أفكاراً راسخة وموضوعية .. وبدأت فعلياً بالبحث عن دور استراتيجي للعراق ، وانهمكت في سياسة الإنفتاح الكبير على المحيط الإقليمي بإعادة صياغة توازنات العلاقة على مسرح الإقتصاد والأمن في الشرق الأوسط ، وحصلت على تفويض دولي وعربي غير مسبوق .. بقناعة رئيسها أن العلاقات الخارجية هي مفتاح استقرار الحكم في العراق.
واجتهد الكاظمي أيضاً في العمل على مسافة آمنة بين أجندة حكومته وأجندة طهران .. وعمل على احتواء إيران نظراً لتأثيرها الذي تمارسه داخل العراق من خلال شبكتها من الحلفاء المحليين والمجموعات شبه العسكرية.
فلا يمكن لأي مسؤول في العراق التجرد من الواقع الطائفي والعرقي.
فالكاظمي شخصيته غير محسوبة على أي طرف من الأطراف السياسية النافذة في العراق ، فعند توليه لمنصبه كان مطالباً بتحقيق الحد الأدنى من المطالب على المستوى السياسي ومنها مطلب أمريكي بإقناع النخبة الشعبية بدمج الحشد الشعبي تحت قيادة الجيش العراقي وحصر السلاح بيد الدولة والقضاء على المليشيات المسلحة .. وهذه الخطوات تعني المواجهة الحتمية مع إيران.
ومرتكبي الإغتيالات السياسية في العراق لايزالون بلا عقاب ، والكل يتسائل من هي الجهة التي تقف وراء المحاولة الفاشلة باغتيال الكاظمي وجر العراق إلى الفوضى واللاّدولة ؟ ولماذا لم يتم استخدام منظومة C-RAM الدفاعية الأمريكية لصد الإعتداء على مكان إقامة الكاظمي بالمنطقة الخضراء ببغداد .. فالأيام القادمة ستكشف لنا حقائق الأمور.