*قهوة عالريحة*

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

سعيد الصالحي

وضعت أمامي فنجان القهوة وأمسكت قلم الحبر الأحمر كي أكتب أو بالأحرى كي أخربش  خارطة طريق أحلامي للعام الجديد، وبدأت أفكر وأخطط كيف سأستقبل العام الجديد؟ وأول ما خطر ببالي أن أتوقف  
عن الاستماع لتوقعات الأبراج التي تعدني كل عام بالثراء ولا تفي بوعودها  - انا أتحدث عن الأبراج وليس عن الحكومات وأي تشابه بينهما من قبيل سوء الطالع لا أكثر - وعزمت أيضا ألا أنظر خلفي لكل ما أحبطني وأزعجني في عام الخبز الذي بقي منه قضمة صغيرة ناشفة.

 ارتشفت ما تبقى من فنجان قهوتي وأمسكت القلم لأكتب بعد أن أغمضت عيني لأستعيد ما تبقى من مرار القهوة بذات اللذة التي كنت استمتع فيها بطعم السكاكر عندما كنت طفلا، طعم المرار أعادني إلى مناسبة حضرتها قبل أيام، وتسألت لماذا تعودنا أن نبدأ مناسباتنا السعيدة بطقوس لا نبتسم ولا نضحك فيها حتى للرغيف الساخن؟  وبالطبع  كان فنجان القهوة المحروقة المرة حاضرا في هذه المناسبة كي تكتمل الطقوس، وتعودنا أن نمارس دور الحكماء إذ نكتفي بوضع القليل من القهوة السوداء في قعر الفنجان الأبيض المذهب - ولا بد أن يكون الفنجان مذهبا ربما ليكون المرار أكثر بريقا ولمعانا أو ليقول لنا بأن ما نراه من جمال في ظاهر هذا الفنجان ليس كما يحمل في باطنه من سواد ومرار أو ربما حتى  يذكرنا بأن الفرح  لا بد أن يمر في نفق الألم ويتوشح بالمرار، وأن أيام الأعياد والمناسبات السعيدة طارئة فيجب علينا ألا نفرح ونسعد كثيرا - ولا أعرف من أين جاء المثل الشعبي *الله يكفينا شر الضحك* ؟ ولماذا أقرت ثقافتنا بضرورة أن يتبع هذا الضحك والابتسام حزنا وغما؟ 

أما آن لنا أن نتمرد على هذه الفرضيات غير المثبتة، أما أن لنا أن نضع المرار  جانبا وان نبدأ مناسباتنا الجديدة بالتركيز على الفرح بدلا من الاهتمام بشكل المناسبة ومكان حدوثها وبروتوكلاتها وبأمنيتها الوحيدة والشهيرة *الله يعدي هاليوم على خير*، فالفرح لا يحتاج قاعة أفراح أو صيوان وفرقة موسيقية ليثبت حضوره، فيكفي الفرح فخرا أنه يراقص دواخلنا ويغني في اعماقنا ولكن صوته يصل لآخر الدنيا ولأول أنسان نصادفه.

وعلى ذكر الفرح لماذا ما زالت ابتسامات الفتيات وضحكاتهن عيبا في بلادنا عند بعض الفئات؟ كأن الابتسام حق خالص للذكور ولا نصيب لهن منه، مع أن الابتسام والفرح يزيدهن جمالأ  فلعلنا بتنا نهاب الجمال كخشيتنا من الفرح، فكيف سنخلق مجتمعا سعيدا اذا حرمنا نصف مجتمعنا  من السعادة؟ و"نصف المجتمع" هذه عبارة بحاجة للمراجعة فهي عبارة لم تنصفهن سوى بالشعارات وعلى الورق فقط.

تعالوا نبدأ عامنا الآتي بالاصرار على خلق الفرح والترصد للمنغصات، تعالوا نتحد لنتخلص من بعض عاداتنا التي ترهقنا ولا تنفعنا، هلموا نستثمر بعض التغييرات التي فرضها علينا فيروس الكورونا ودعونا ننشر بكتيريا التغيير النافعة، لعل أولادنا في المستقبل عندما يكتبوا التاريخ ان يذكروا لنا فضلا جديدا معاصرا كأفضال أجدادنا الذي لم ننتج مثلها منذ قرون.

بعد أيام عام جديد وفرصة جديدة، سأستقبل العام الجديد بالتغيير فلن أشرب القهوة مرة منذ اللحظة، بل سأشرب القهوة برائحة السعادة. 
أطلقوا السعادة من قمقمها فالسعادة حق لنا جميعا ويجب أن نتعرف على ملامحها ونعاشرها عن كثب حتى نحبها وتحبنا، وعلينا أن نمارس السعادة كل يوم ولو من باب الادعاء والتصنع.

أسعد الله عام العرب وأسعد الكون بكل ما فيه من مخلوقات واهلا بالقهوة العربية الجديدة "قهوة برائحة السعادة".
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences