الإستحقاق الدستوري (الإنتخابات )وجدلية (العزوف أو المشاركة )..
الشريط الإخباري :
الإنتخاب عملية سياسية دستورية يمارسها الأفراد في الدولة عند تحقق شروط الأهلية التي تحددها قوانين الدولة وأولها التبعية السياسية لهذه الدولة والتمتع بجنسيتها , وهذه العملية هي ممارسة سياسية وإجتماعية يرتبها (العقد الإجتماعي ) وهو (الدستور) الذي ينظم العلاقة بين (الشعب) و (السلطة ) أي بين الحاكم والمحكوم , فهي سياسية لما تؤسسه من وجود سلطة شرعية تمارس الحكم وإجتماعية لما لها من دور أساسي في تنظيم مجتمع دولة بكافة أطيافه ومؤسساته .
وللتقعيد والتأصيل القانوني والسياسي في مناقشة جدلية (العزوف أم المشاركة ) في هذه العملية يجب أن نجيب أولا على السؤال التالي : هل الإنتخاب حق أم واجب ..؟؟؟
وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نوضح الفرق بين مصطلحات ومفاهيم ومباديء ترد في دساتير العالم أو نظريات تتبناها الدساتير فيتم النص عليها وهي :
أ- (الأمة ) وتعني (الأجيال السابقة من الشعب والأجيال الحاضرة والأجيال اللاحقة ) وتبني مصطلح الأمة هو تبني لمبدأ (سيادة الأمة ) فكان النص في الدستور الأردني (الأمة مصدر السلطات ) والأمة هنا لا تعني كما يفهمها البعض بأنها الأمة العربية أو الأمة الإسلامية بل هي (الأجيال السابقة من الأردنيين والأجيال الحاضرة والأجيال اللاحقة ) .
ب-(الشعب ) مجموع الأفراد في الدولة الذين يشكلون (هيئة عامة ) توافرت لدى هذه الهيئة أهلية وشروط ممارسة الإنتخاب وأول هذه الشروط وهذه الأهلية هي ( أن يكون الفرد حيا موجودا وبلغ السن القانوني وأكتسب أهلية قانونية للتصرف وممارسة حقوقه مباشرة وبنفسه وأكتسب الصفة التي تخوله التصرف وممارسة ومباشرة شأن من شؤونه ) ووصف (هيئة عامة ) تطبيقه العملي بإستخدام هذا المصطلح نراه في (تكوين النقابات أوالجمعيات أو الأندية أو الشركات ) وهو يعني وجود صفة قانونية يسعى اليها الفرد مرتبطة بمصلحة شخصية مباشرة يريد الفرد تحقيقها وتوفر الشروط القانونية لإكتساب الصفة والحقوق التي تترتب لهذه الصفة ) فعضو الهيئة العامة -أي هيئة عامة - بناء على ما عرفناه يجب ان يكون حاضرا موجودا يباشر شؤونه بنفسه أو أن ينيب ويوكل (صراحة ) من ينوب عنه لمباشرة شأن ما هو من حقوقه اللصيقة بشخصه وصفته , مما يعني أن الشعب عندما وصف (هيئة عامة ) يقصد به الأفراد في الحاضر المتمتعين بالأهلية وبالجنسية وتتوافر بهم شروط قانونية لممارسة التصرفات ويخرج من ذلك أجيال سابقة أو لاحقة .
الإجابة على السؤال (هل الإنتخاب حق أم واجب..؟؟؟ ) :
على ضوء التفريق بين مفهوم الأمة ومفهوم الشعب فإن الفارق بين المفهومين هو أن الفرد (بصفته مواطن في دولة تتبنى مفهوم سيادة الأمة ) يمثل نفسه الموجودة والحاضرة وفي ذات الوقت يمثل أنفسا ليست موجودة وحاضرة والشأن الذي يستحق المباشرة هو لمصلحة الموجود حاضرا والغير موجود وهم (أجيال سابقة "ماضي " وأجيال لاحقة " مستقبل " ) والمصلحة هنا هي الحفاظ على ما بناه السابقون وتأمين ما يحتاجه اللاحقون من الأجيال وهذا يجعل ممارسة هذا الشأن ترتبط بحقوق أجيال سابقة وأجيال لاحقة أصبحت في رقبة الجيل الحاضر والموجود وهذا يعني أن الممارسة أصبحت واجبا يجب ووظيفة يجب تأديتهما تجاه أصحاب المصلحة بالإضافة للنفس وللمصلحة المرتبطة بالفرد لكونه جزء من مجموع الأمة أيضا ,وهذا يعني ويرتب (أن المشاركة وممارسة الإنتخاب العام ) حق وواجب وهي حق من حيث عدم جواز منع المواطن الذي توافرت لديه صفة المواطنة وأهلية ممارسة الحقوق السياسية إلا في حدود ما تفرضه القوانين من موانع قد تعتري الشخص بذاته وهي واجب ووظيفة لأن المصلحة المرعية لا ترتبط بشخص المواطن أو الناخب وحده .
وبالرجوع للدستور الأردني نجده يتبنى مبدأ سيادة الأمة فنص على أن (الأمة مصدر السلطات) وبالتالي فإن الفرد الحاضر والذي إكتسب الأهلية والجنسية في ممارسته السياسية يمثل أجيالا سابقة وكذلك أجيالا لاحقة ومصالحهم والتي هي -قطعا - عامة عند ممارسته لعملية (الإنتخاب ) وهذا يعني أن الفرد بصفته (مواطن ) في دولة السيادة فيها للأمة يترتب عليه واجبات تجاه مجموع الأمة وتجاه الأجيال جميعها يجب أن يؤديها في وقت إستحقاقها وهذه الواجبات هي إلتزام دستوري وقانوني وسياسي وإجتماعي ومسؤولية رتبها (العقد الإجتماعي ) على (أفراد الأمة ) وعدم تأدية هذه الواجبات يعني (التخلي عن المسؤولية ) مما يعني بوضوح أن عدم المشاركة في (الإنتخابات العامة) هو تخلي عن المسؤولية تجاه (الأمة ).
وبالإشارة إلى وصف (الشعب ) (كهيئة عامة ) فإن تبني مبدأ (الشعب مصدر السلطات ) وليس (الأمة مصدر السلطات ) هو الذي يجعل (الإنتخاب العام ) حقا للفرد يملك ممارسته أو الإمتناع عن تلك الممارسة كما قلنا لأن المصلحة وفق هذه النظرية إرتباطها المباشر بالفرد ومصالحه هو لذلك فتطبيق هذه النظرية الأوضع والعملي لتسمية المجموع (هيئة عامة ) وليس (أمة )
ومن جهة أخرى وكذلك تقعيدا وتأصيلا لوجوب المشاركة وممارسة الإنتخاب العام فإن المعروف والثابت قانونيا وسياسيا وفي ظل كل دساتير العالم بأن الإنتخاب العام لا يحدد بنصاب لعدد المقترعين أو نسبة الإقتراع فنجد أن نسب التصويت في العالم إحصائا وتاريخيا دائما ما تكون متدنية ونجد أن وصول نسبة الإقتراع إلى حدود (35% أو 40% أو 50% ) -أي أقل من الأغلبية العادية أو النصاب الذي يشترط لإضفاء الشرعية على عمليات الإنتخاب العام -لم يبطل أي إنتخابات تدنت فيها نسبة مشاركة شعب هذه الدولة أو تلك وحتى في ظل تبني مبدأ (الشعب مصدر السلطات ) بالمفهوم والوصف الذي أشرت إليه أعلاه وذلك لأن جميع المدارس السياسية والقانونية في العالم تعتبر عزوف الفرد (المواطن ) عن المشاركة في عملية الإنتخاب العام بمثابة (تفويض ضمني ) من النسبة التي لم تشارك للنسبة المشاركة لممارسة هذا الحق و/أو الواجب , لا يعتد بنسب عدم المشاركة والعزوف عن ممارسة الإنتخاب العام إلا في ظل قوانين الإنتخاب التي تقر حق الترشح فقط للقوائم الحزبية للأحزاب المرخصة في ظل الدساتير التي تتبنى (نظام حكم الأحزاب وتداول السلطة بين الأحزاب التي تمثل المجتمع والشعب أو الأمة ) وهنا فعدم المشاركة يجب أن تكون بقرار أغلبية الأحزاب التي تقود الحياة السياسية فعندها لا تجرى الإنتخابات العامة لعدم مشاركة مكونات الحياة السياسية لنظام تلك الدولة , وهذه الأزمة السياسية في ظل مثل هذه الأنظمة السياسية تنظم حلولها وعملية إبطال إجراء الإنتخاب العام إبتداء بنصوص دستورية وقانونية في ذلك البلد أو تلك الدولة بحيث تكون عملية الإمتناع والعزوف لها قنوات شرعية وقانونية تمارس من خلالها مكونات مجتمع الدولة السياسي آرائها وقراراتها وتوجهاتها السياسية .
أما ما يحصل لدينا في الأردن من عدم المشاركة ومن دعوات لذلك قبل أي إستحقاق دستوري لإجراء إنتخابات عامة -وللأسف من نخب تدعي أنها مسيسة أو قيادات رأي - فهو بعيد عن كل القواعد الدستورية والسياسية في العالم وهو من جانب تخلي عن تأدية وجاب ووظيفة نص عليها العقد الإجتماعي (الدستور ) ومن جانب هو الركون إلى الفراغ وإلى عدم مشروعية السلوك أو تلك الدعوات وليس إلا (إدارة للظهر) لكل ما هو دستوري وقانوني وسياسيي أو إدارة الظهر للمتعارف عليه من طبيعة العمل السياسي المشروع وفق أطر وقنوات قانونية ودستورية .
وعلى ضوء ما مر أعلاه أود أن أدرج أمثلة تاريخية من دول العالم المتقدم على إعتناق (مفهوم أن الإنتخاب واجب ) فقد حصل في (بلجيكا ) في نهايات القرن الثامن عشر أن فرضت غرامة مالية على كل مواطن بلجيكي لا يقوم بالتسجيل لممارسة الإنتخاب بعد بلوغ السن القانونية التي يحددها القانون لممارسة الحقوق السياسية وذلك إذا مرت واحد وعشرون يوما من تاريخ بلوغ الشخص السن القانوني , وكذلك في هولندا في بدايات القرن العشرين (1917) وفي أستراليا كذلك في (1924) حيث أجبر مواطنوا تلك الدول على الإنتخاب بطرق منها تغريم من لا يذهب للإقتراع .
والخلاصة هنا : أن الإنتخاب العام هو واجب ووظيفة سياسية وإجتماعية على المواطن تأديتها من وازع الإنصياع للدستور وكذلك من منطلق الحرص على المصلحة العامة (للأمة وأجيالها ) ..!!!
والله والوطن من وراء القصد .
المواطن (رايق عياد المجالي /ابو عناد )