كيف تفنّن "محمد مهدي" كذباً في شرحه لغايات واهداف عصابة "الاخوان المسلمين" ..!!
الشريط الإخباري :
سليم النجار
لطالما زخرتْ مخيّلتي بكثيرٍ من الأفكار، راودني كثيرٌ منها في لحظات قوتي وضعفي على السواء، وحملتني عنوةً لتجسيدها لغةً، مفسِحاً لها المجال بالتعبيرعن نفسها عبر شخصيّةٍ أبسط ما يمكننا القول عنها بأنّها لا تنتمي لنا.
يتضح من النص المُقدّم أن للذكريات -التي سردها محمد مهدي عاكف مرشد الإخوان المسلمين- سلطة آلية في بحث الظروف التي عاش فيها، ويتحفظ على ذكر الكثير من التفاصيل التي مرّت في حياته خاصة في مرحلة الطفولة والشباب، ويكتفي باستعراض البحبوحة التي عاش كنفها، وكأننا بازار مفتوح لعرض التاريخ الذي يعتقد أنَّ عليه تذكره فنقرأ مثلاً، ( عشنا في الريف حياة جميلة لكن كان للقدر رأي آخر، فبعدما انتقل إخوتي إلى القاهرة للدراسة في الجامعة، ارتأى والداي أن ننتقل إلى القاهرة معهم٠ واستأجر بيتاً في السكاكيني، وكان إيجاره جنيهين، وكان هذا الحي مشهوراً بالترف، ولا يسكنه إلا عليّة القوم آنذاك).
لقد استخلص عاكف أهم منجزات شبابه، وذكرها في مذكراته كمرشد للإخوان المسلمين ليتعلم الجيل الصاعد منهم شغفه للحياة، وهذا حق ما لم يدّعِ عكس ذلك عندما تولى قيادة الإخوان، فيصف وعيه الغرائزي ( كان انتقالنا شروقاً جميلاً، كأننا خرجنا من بئر عميقٍ إلى ضوء الشمس المشرقة، ولكن لم تبهرني أضواء المدينة كثيراً، لكنني كنت استمتع بركوب الحنطورة مع والدي، كما أنني أعجبت بالترام حينما ركبته، وكان أعجوبة بالنسبة إلينا، ورأينا السيارات والمحلات التي نادرا ما كنا نراها في القرية).
هذه الذكريات الغرائبية التي وصفها عاكف بنفسه، التي تحمل عذابات إنسان متعلق بجذوره لقريته كما ذكر، وتجلّت رؤيته للمدينة من خلال سيرته للإسقاطات النهمة تعرّي حكاية الإعجاب بالمكان، لننطلق معه في عمق دلالاتها مع ذكرياته:(كنت سعيدا بكلّ ما حولي، هل الدنيا واسعة هكذا؟! وهذه القطارات الضخمة إلى أين تسير؟! لقد كانت القرية بالنسبة إليّ كل دنياي، وكنت سعيداً وراضياً بها، ولكنني الأن أعيش في دنيا جديدة، فرحاً ومتشوقاً لمعرفتها واكشافها).
والسؤال الذي يجب أن يوقظ النيام "الإخوان المسلمين" كان الجواب على كل هذه الدهشة التي تعرّض لها عاكف عند رؤيته للمدينة؟ أليست هذه الإجابة كأنها معرض تشكيلي يمكن أن نطلق عليه الصمت، عن واقع المجتمع المصري في تلك الحقبة، والفقر الذي يجتاح هذا المجتمع لدرجة يمكن وصف هذا الفقر كالسرطان الذي ينهش الجسم دون رحمة، والسؤال الذي يحرّك العقل- على الرغم أن جماعة الإخوان لا يفضّلون التعامل أو التعاطي مع هذه البضاعة- طرح الكثير من الأسئلة، منها ما يتعلق بكيفية التخلص من الفقر، وموقفه من هذه القضية التي تؤرق أصحاب العقول والضمائر، ولا تحرك أصحاب الدعوة! لكن هذه المهمة تبدو عشوائية وفوق طاقة مرشد الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف٠٠٠ خاصة إذا علمنا حجم الأسئلة التي لابد من بحثها في هذه القضية، قضية صناعة الفقر؛ أليست من أولوياته!
لقد وقف عاكف إلى جانب ذكرياته بإعجاب شديد بعد أن عايش هذه الوجوه من خلال تجربة حياتية ومسيرة عمر، وببصيرة الفاقد لمرارات الناس وذاكرة المترف، بعد أن تأكدت لديه حالة تعسف مفترضة، اختزن في الذاكرة دلالات هذه الوجوه بمختلف مستوياتها الواقعية والنفسية، وأعاد صياغتها للتوالد؛ صامتة في كل مرة على سطح ذكرياته، عندما يصف الإخوان المسلمين(الإخوان المسلمون جماعة إسلامية إصلاحية شاملة، تعمل من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد أسّسها الإمام الشهيد حسن البنا، الشاب الجامعي الذي تخرج من كلية العلوم، ثم عُيّن في الإسماعيلية، حيث الطبيعة الفريدة في هذه المحافظة، وحيث التقت القلوب مع بعضها، فأخرجت شباباً يعمل من أجل هذا الدين الشامل).
وهنا يجب التنويه بأننا لا يمكن بأي حال أن نتقبل الزعم بأن هذه الاستلهامات لأنثى تتغزل بالطبيعة والوجوه الصامتة، بل هي لمرشد الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف. ولايرى عاكف؛ أليس الأفضل له ولنا نحن القرّاء من معادل موضوعي لتأطير أحداثه في إطار درامي، ليحتذي بنهج مسرحي وثائقي، واعتماد زخرافته اللغوية في وصف الإخوان المسلمين، ويقدم لنا عرضاً مسرحياً، لعل وعسى أن يكون عرضاً مبهجاً غير مُمل.
وإذا كان الراوي السّارد عاكف، المهيمن على النص والعارف والعالم بكل شيء قد تبوّأ موقع المفكر الذي لا يفكر("النظام الخاص" بجماعة الإخوان المسلمين هو نظام عسكري أسّسته الجماعة في عام ١٩٤٠ وهدفه إعداد نخبة منتقاة من الإخوان المسلمين للقيام بمهمات خاصة).
تجرأ عاكف على التاريخ الحقيقي لهذه العصابة المجرمة لكي يصنع محله تاريخاً للأوهام التي لم تقف عند حدود التلفيق للتاريخ الحي فقط، بل تفنّن في صناعة الكذب خاصة عندما ذكر أهداف هذه العصابة (محاربة الإنجليز في مصر- محاربة الصهيونية في فلسطين). هذه العبودية للكذب مثيرة للاشمئزاز، فكل ما قامت به هذه العصابة من عمليات اغتيال للشخصيات المصرية وكل من يعارضهم، لعل هذه العصابة تاهت عن الأهداف التي توهم عاكف بذكرها وفضلوا ممارسة الفعل الإيماني الإخواني: قتل وتصفية كل من يحاول استخدام عقله وضميره!
هنا لايمكن التغاضي عن الترجمات السيئة لتاريخ الإخوان المسلمين التي تجلّت صور الترجمة بمذكرات محمد مهدي عاكف، ولا ينتج هذا الفعل إلا عن شخص غافل أو جاهل بأمور جماعته.