حمى دراسة الطب
الشريط الإخباري :
د. عاصم منصور
حدثنا أحد مسؤولي الصحة التايوانيين أن كليات الطب الإحدى عشرة المعتمدة في بلدة تستقطب سنوياً 1300 طالب وأن هذا العدد ثابت منذ ثلاثة عقود ، يحصل هذا في دولة يبلغ عدد سكانها 24 مليون نسمة وتتمتع بأحد أفضل الأنظمة الصحية على مستوى العالم بمؤشرات صحية تحسدها عليها الدول الغربية .
وفي نفس السياق علمت خلال احدى زياراتي لجامعة كامبردج الشهيرة ، والتي تعتبر كلية الطب فيها إحدى أفضل ثلاث كليات على مستوى العالم حسب أحد التقييمات المعتمدة أنها تستقبل سنويا حوالي 280 طالباً يصل نصفهم فقط المرحلة السريرية.
يأتي هذا الحديث بين يدي حُمّى الإقبال على دراسة الطب في بلدنا والذي يستحق أن يحجز مكاناً لائقاً في موسوعة جينيس ، حيث لا أعتقد ان هنالك شعبا يعشق دراسة الطب كما يفعل الاردنيون .
فقد سمعت من أحد القائمين على إحدى كليات الطب الاردنية أنهم سيقومون بقبول حوالي ألف طالب جديد هذا العام ، واذا كان هذا العدد نصيب كلية طب واحدة فلكَ أن تتخيل الاعداد الكبيرة التي سيتم قبولها في الجامعات الأخرى.
من حق كل طالب أن يختار التخصص الذي يجد نفسه فيه ؛ شريطة أن يكون لديه القدرة على ذلك ، لكن واجب الجامعات ان تدق ناقوس الخطر في أن هذا التوسع غير المدروس في اعداد المقبولين ؛سيكون حتماً على حساب جودة الخرّيجين ، الذين طالما فاخرت الجامعات الاردنية بمستواهم العالي وسمعتهم الطيبة التي تخطت حدود الاردن الى العالمية .
تعليم الطب ليس مجرد مدرج مزدحم بالطلبة ، يتم تلقينهم مواد جامدة ،ولا هو عملية استظهار لأمهات الكتب ، وانما عملية تواصل ومتابعة بين الاستاذ والتلميذ ينقل من خلالها الاول للثاني عصارة تجربته ؛ ويأخذ بيده ليوجهه الوجهة السليمة ؛ وإلا لكان جوجل ويوتيوب أفضل من أي كلية طب في العالم ، وللزم الطلاب البيوت او قاعات ومقاهي الدراسة التي أصبحت تتكاثر كالفطر لصم المادة المكتوبة أو المنشورة على شبكة الانترنت .
يجب أن لا تتحول كليات الطب الى حصالة للحلول الآنية للأزمات المالية التي تمر بها الجامعات ، ولا جوائز ترضية للطلبة والاهالي ؛لأن هذه الانجازات الوهمية قصيرة المدى، سندفع ثمنـها غالياً من سمعة كلياتنا وجودة خريجينا!