عندما تختفي معالم الوقت والساعة ويختلط النهار بالليل وتتلاطم الانفاس والاجناس ويملأ المكان الركام والأنقاض .. ستعرفون وقتها من هو الاردني الحقيقي
الشريط الإخباري :
خاص- حسن صفيره
فيما سارع سيد البلاد وفور وصوله ارض المملكة قادما من فرنسا، الى المركز الوطني لإدارة الأزمات للإطمئنان على سير عمليات فرق الانقاذ التي تنفذها مديرية الدفاع المدني والامن العام والفرق الرسمية المساندة في حادثة بناية اللويبدة، وبعد ان لقيت الحادثة اهتماما ملكيا خلال سفر سيد البلاد من نائب الملك سمو الامير فيصل بن الحسين منذ بدء الساعات الأولى على الحادثة، سجل الأردن ثرورة حقيقية من ثرواته الوطنية، سجل رجالاته وشبانه واجهزته ما يُثلج الصدور ويُفرح القلوب ويُدفئ الأرواح ..
الحكاية الكاملة..
مشاهد مفجعة مؤلمة، وكتل إسمنتية صماء، غبار الخوف لا اليأس، وأنفاس تتلاحق تحت الركام، ومن على سطح الإنقاض كان الأردن بهياً، عصياً على أوجع التحديات، فرق انقاذ بحجم الحياة، بحجم الرهان أن الأردن أبهى وأحلى، وأن نشامى أجهزتنا من دفاع مدني ومرتبات امن ودرك، كانوا الأجمل والأبرع في انتزاع الأمل ليغدو حياة، وليغدو كل اردني مجللا ومكللا بالفرح والفخر، أن ها هنا شبان اردنيون حملوا أرواحهم على أكفهم وانتشروا بين مخاطر الانقاض لتتبدى الحياة .
اثنان وسبعون ساعة على حادثة انهيار بناية اللويبدة، اختفت معالم الوقت، واصبح النهار والليل توقيتا عدميا امام جبروت جهازنا العظيم - الدفاع المدني، ضباط وأفراد، دخلوا معركة الإسمنت والأرواح ، معركة الوقت والمكان المجهول، وموسم قطاف الحياة أمام عبثية مالك البناية، الذي كان يُطرز وحش الدمار دون ان يدري أو يدري، فالجاهل ليس عدو نفسه فحسب، بل اتضح انه عدو الحياة.
ووسط الهلع والجزع وصيحات المكلومين من اسر وذوي واقرباء الضحايا، انتشر رجال الدفاع المدني على رقعة الدمار والإنقاض بكامل استعدادهم ومعداتهم وخبراتهم، وبدأوا خلية العمل برقم قياسي، اسهم في تقليص حجم الخسائر البشرية، وزرعوا بعضا من الأمل بالعثور على المزيد من الناجين.
عمل متواصل على مدار ثواني الوقت، كان التراب والغبار والعمل الشاق بيئة مقدسة لأولئك النشامى، لم يلتفتوا لعدسات تصوير، ولم يبحثوا عن كاميرات الاعلام، ولم ينتظروا من أحد مديحا او ثناءً ، فالواجب في عرف الاحرار من ابناء هذا الجهاز كان عنوانا بارزا لماهية الجندي الأردني سواء كان رجل دفاع مدني او رجل امن او عسكري على اطراف الصحراء في جبهاتنا الشرقية والشمالية ، فمهما امتدت التسميات واتسعت المسافات فالجغرافيا واحدة هي قلب الأردن .
ووسط الركام، وتقطع الانفاس نتيجة الجهد الشاق لرجالات وشبان الدفاع المدني، وخلال عمليات الحفر وقص ورفع الكتل الإسمنية، وخلال اللحظات العصيبة لجميع الاردنيين الذين كتموا انفاسهم ترقبا وغبطة وفرح عند الاعلان عن انتشال احد الناجين، كان مدير الدفاع المدني، العميد حاتم جابر، يبعث في روح شبابه من افراد وضباط الجهاز المزيد من الحماسة والأمل، القائد بين رفاقه افراد مرتب الدفاع المدني، الجميع في الميدان، حيت التوصيات والاشراف تشاركية في قلب الحدث وعلى فوهة الخطر.
ابهرنا العميد جابر، وهو يُجيب بحزم العسكرية وسائل الاعلام عن امل الناجين بقوله بجد وحزم لافت (نحن نعمل على فرضية كل من تحت الركام حي) و (لن نغادر موقع الإنهيار قبل إخلاء آخر إصابة تحت الأنقاض)، يُجيب بأمل المؤمن، ولوعة اب او ام بانتظار نبأ يُزيح هاجس الموت، يُجيب بما يقتضيه السؤال وباقتضاب، فلا وقت للاستعراض، وكل دقيقة هي مفصل حاد في حياة احد ما تحت الركام.
كما ان قائد فريق البحث والانقاذ الاردني الدولي المقدم انس محمد العبادي .. احد الجنود المخلصين قي الدفاع المدني. ما زال يقود فريقه لليوم الثالث على التوالي وترتيب العمل للفرق على نظام مناوبة كل 8 ساعات، كل "شفت" نحو 150-200 شخصا، بواقع 350 من ضباط وضباط صف وأفراد من مرتبات الدفاع المدني وفرق البحث والإنقاذ، أثبت بالوجه القطعي أن الأردن بخير، وأن الحوادث الجسام تكشف معدن الرجال، وقد ضجت الصالونات الشعبية والأوساط الاعلامية بمشهد انتشال الطفلة الرضيعة بعد عمليات دقيقة لانتشالها استغرقت ست ساعات، في جهد استثنائي تعجز عنه اعتى اجهزة الدفاع المدني في العالم، ليتأكد للأردنيين أنهم امام رجالات عتاة احرار .
وعلى الجانب الأخر، كان الرتل الأخضر لأصحاب القلوب البيضاء من عمال أمانة عمان، وقد وقفوا في سلسلة بشرية على أطراف محيط موقع الإنهيار كفرق مساندة بدأوا خلالها برفع مخلفات الانقاض المتناثر من "دبش وصخور" وقطع اثاث، واصلوا عملهم حتى بعد انتهاء دوامهم، ومكثوا مع اشقائهم افراد الاجهزة الامنية والرسمية حتى بزوغ امل النجاة.
هنيئا للأردن بأولئك النشامى، وهنيئا للوطن ابنائه الأشاوس، والعزاء الحار لأسر الضحايا، وامنيات الشفاء والخير للمصابين، وسيظل الأردن برجالاته الأوفياء من اجهزة أمنية وعسكرية عنوان حياة .