فوضى الطرح !

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
الدكتور يعقوب ناصر الدين
ذلك هو ما يشوب بالفعل معظم القضايا والشؤون التي تشغل بال ساحتنا الوطنية في غياب إستراتيجية واضحة المعالم في التعامل مع الأزمة الاقتصادية ، وفي إدارة القطاعات المختلفة ، وحتى لا أقع كذلك في فوضى الطرح ، فلن أنكر وجود إستراتيجيات من حيث المبدأ ، ولكنه من المؤكد أننا لا نجد لبعضها أثرا على أرض الواقع .
تبدو المسافة بعيدة جدا بين الحقائق التي تتعامل معها الحكومة " أي حكومة " وبين ما يجول في خاطر من يعرف ومن لا يعرف تلك الحقائق عندما يتعلق الأمر بالتعليق أو الانتقاد للأداء العام باعتباره دون الحد الأدنى في النتائج والمخرجات ، ومع ذلك فالانطباعات العامة ليست أساسا صحيحا للحكم على الأشياء !
هناك مقياس قد يغيب عن الذهن في غمرة القلق أو الغضب ، وهو مقياس " تحت الصفر " أي عندما يتركز الهدف على إعادة مستوى التراجع إلى الخلف عند نقطة الصفر ، أو بمعنى آخر معالجة شأن ما كي يعود إلى طبيعته ، قبل أن نتمكن من دفعه إلى الأمام مرة أخرى ، وينطبق ذلك أيضا على الجهود المبذولة لوقف حالة التراجع أو التدهور لقطاع ما حتى لا يصل إلى مرتبة الصفر ، فكثيرون ممن يتابعون الشأن العام يسقطون من حساباتهم أهمية إنجازات من هذا النوع ، ويقولون ببساطة ما كان ينبغي أن يحدث ذلك الخلل أصلا ، وهذا صحيح إذا تغاضينا عن العوامل الخارجة عن إرادتنا ، أي العوامل الإقليمية والدولية ، فضلا عن العوامل الداخلية التي لم تتمكن من الاستجابة للتطورات المتسارعة في مجالات عديدة !
لننظر إلى فوضى الطرح التي تسود الأجواء السياسية والاقتصادية في بريطانيا على خلفية خروجها من الاتحاد الأوروبي ، وبريطانيا لا ينقصها إستراتيجيات ولا خبرات ، وهي مثل أعلى في الديمقراطية ،  وفي التأثير السياسي العالمي ، والآن يعرف كل بريطاني أنه ربما تأثر أو سيتأثر بأزمة يمكن اعتبارها إقليمية أو قارية ، ولكن نحن أميل في بلادنا إلى الانتقاد والاحتجاج منا إلى التفهم والواقعية في التعامل مع أزماتنا والحديث عنها ، مما يضيع علينا فرص معالجتها من زاوية أكثر تعقيدا حين تظل الآراء بعيدة عن الحقائق ، فلا نقدر حتى على تصويب أخطاء الجهة التي ننتقدها .
هناك العديد من القرارات التي تتخذ بعيدا عن تنظيم يفترض أنه مرتكز إلى رؤية عامة موضوعة ومتفق عليها بين الجهات صاحبة العلاقة جميعها ، أو ضمن إستراتيجية جديدة تضعها الحكومة بالتنسيق مع الأطراف ذات العلاقة  ، وبعض تلك القرارات ربما يتناقض أصلا مع السياق القانوني لعمل المؤسسات العامة أو الخاصة ، أو مع أنظمة وتعليمات أخرى ، الأمر الذي يثير التساؤل والاستغراب ، ومن ثم الجدل والخلاف ليس حول القرارات في حد ذاتها وحسب ، ولكن حول الطريقة التي تتخذ بها أيضا ، وما ينجم عنها من أضرار آنية أو بعيدة المدى  ، من هنا تبدأ " فوضى الطرح " في كل شيء للأسف !
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences