إيران بَره بَره والعراق حُرة حُرة ..
الشريط الإخباري :
بقلم / الكاتب والمحلل السياسي / حمادة فراعنة
بداية نحن كعرب لا نحمل العداء أو الكره لإيران، لا شعباً ولا قوميات، لا نظاماً ولا مذهباً، لا ننحاز للعراق لأنهم عرب، فالذي يجمعنا مع إيران لا يقل أهمية ومصلحة عما يجمعنا مع العراق، ولكننا مع العراق الشقيق المظلوم المعتدى عليه، المسلوب من قبل قوى وأجهزة وامتدادات مُتسربة تنفذ برنامجاً توسعياً عقائدياً يهدف إلى تعزيز نفوذ إيران من جهة وانتقاماً من نظام صدام حسين القومي السابق من جهة أخرى، أو هكذا نرى اعتماداً على قراءات عراقية متزنة.
احتجاجات العراقيين التي بدأت يوم الثلاثاء الأول من تشرين أول 2019، من بغداد وامتدت للمحافظات الجنوبية، دللت أنها عابرة للمحافظات وللمذاهب،
أي أنها غير طائفية، وعراقية كاملة الأوصاف عمقاً وتطلعاً وشعاراتاً وأهدافاً، هي ضد الفساد المستشري المعتمد على ميليشيات تتسلط عبر قوتها وتسليحها وتنظيمها على امتدادات إيرانية أمنية ومذهبية تُخل باستقلال العراق وتمس من سيادته، ومثلما قاتل العراقيون الاحتلال الأميركي وهزموه ودفعوه للرحيل، يتظاهرون ضد النفوذ الإيراني ورموزه وأدواته ودفعه للرحيل، ليقرر العراقيون طريقة حكمهم اعتماداً على نتائج صناديق الاقتراع وإفرازاته السياسية.
لقد سبق وأن تواطأت إيران مع السياسة والتدخل الأميركي وتسهيل احتلال واشنطن للعراق، خدمة للمصالح الإيرانية في إسقاط نظام صدام حسين القومي النزعة والخيار والتوجه، وستبقى مدانة بهذا الخيار إن لم تلجأ إلى سياسة حُسن الجوار واحترام إرادة العراقيين وكرامتهم وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية، وغير ذلك سيواصل العراقيون رفع شعارهم: العراق حُرة وإيران بره.
درس مظاهرات البصرة العام الماضي مازالت بائنة، كانت ضد إيران في مناطق وأحياء شيعية، وتم إحراق القنصلية الإيرانية، وكانت مفاجأة لأن الوهم السائد أن شيعة العراق يدينون بالولاء لولاية الفقيه وثبت بطلان هذا الوهم، وأن العراقيين وإن كان أغلبيتهم من الشيعة فهو يدينون بالولاء لوطنهم وكرامتهم ولإدراكهم أن توظيف الدين أو القومية أو المذهب أو الطائفة أجالها قصيرة واستعمالاتها مؤقتة مكشوفة، وأن الأولوية للعراقيين هي مواطنتهم وهي مصدر استقرارهم، وأن التعددية للعراقيين من عرب وكرد وسنة وشيعة ومسلمين ومسيحيين وحتى يهوداً قبل التآمر عليهم وترحيلهم بل وطردهم قسوة وعنوة إلى فلسطين، هذه التعددية هي عنوان العراق وهي مضمونه بل وخياراته.
لن يفهم العديد من الأطراف أن نظام صدام حسين القومي هو الوحيد من بين البلدان: سوريا وتركيا وإيران الذي منح الكرد الحكم الذاتي، والتعليم بلغتهم واحترام خصوصياتهم، ومثلما لم يفهم العديد أن الرئيس العراقي الكردي جلال الطلباني رفض التوقيع على صك إعدام الرئيس الراحل صدام حسين، رغم الفجوة والخلافات الشديدة بينهما.
على الإيرانيين أن يدركوا أن لا زوال من الجغرافيا، مهما تبدلت الديموغرافيا والسياسات والتدخل، والثابت هو احترام الآخر والقبول به والتعايش معه على أساس الندية والتكافؤ واحترام المصالح والبحث عن القواسم المشتركة التي تمنح الفرص بالعيش المتناغم والمنافع المتبادلة بعيداً عن التوتر والاحتقان والتجييش والصدمات والحروب الخاسرة لكل الأطراف مهما بدا الانتصار مغرياً إلى حين.