العلاقة المكلفة مع إسرائيل
الشريط الإخباري :
ماهر أبو طير
لا تفهم لماذا تتمسك عمان الرسمية باتفاقية السلام مع إسرائيل، وهي مؤذية ومكلفة ومعاندة للتاريخ، ولو خضعت الاتفاقية لاستفتاء شعبي، لسقطت سقوطا مدويا؟.
تقتل إسرائيل أردنيين في سفارتها في عمان، والكل يتذكر حادثة مقتل الدكتور بشار الحمارنة ومحمد الجواودة، وتقتل أردنيا عند الجسر والكل يتذكر حادثة القاضي رائد زعيتر، وتقتل أردنيا في القدس والكل يتذكر حادث سعيد العمرو، ومع كل هذا تعتقل إسرائيل أردنيين كل فترة، خلال زيارتهم إلى فلسطين، او عند مغادرتهم، من باب التسلية، إضافة إلى المعتقلين الأردنيين في السجون الإسرائيلية، والملف هنا حافل بتفاصيل كثيرة.
آخر هذه القصص ما يتعلق باعتقال الشابة هبة اللبدي وعبدالرحمن مرعي، وهي اعتقالات تتم تغطيتها بدوافع امنية لا يوجد أي دليل عليها أساسا، وكل ما تفعله وزارة الخارجية هنا مقدر، لكنه غير كاف، كون إسرائيل لن تتأثر بأي ضغوطات، وقد شهدنا في مراحل سابقة كيف أدت حادثة السفارة إلى تفاعلات اعلى، ولم تغير إسرائيل في الأشهر الأولى موقفها، ونحن اليوم امام حالة لشاب وشابة، يعانيان من ظروف صحية خطيرة، قد تؤدي إلى تداعيات من بينها الموت نهاية المطاف، فيما القصة تتفاعل بين مطالبات نيابية لرئيس الوزراء، او اعتصامات امام بيت الشابة هبة اللبدي، او بيانات سياسية، من هنا وهناك؟.
كل هذا لا يكفي، والذين يدعون إلى إعادة النظر في كل معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية، لا يتعاطون الأوهام وهم يتحدثون عن ذلك، وقد ثبت لكثيرين ممن كانوا يظنون ان المعاهدة مفيدة للأردن ان المعاهدة خدعة كبيرة، تم التحذير منها مسبقا آلاف المرات.
الواضح ان الحكومات لدينا لا تجرؤ حتى الآن على اتخاذ خطوات تصعيدية ضد إسرائيل، مالم تتعرض إلى ضغط من الرأي العام الأردني، وهو ضغط لا بد ان يتحرك من اجله الناس، بوسائل مختلفة، بعد ان تطاول الاحتلال، بطريقة واضحة، لا تختلف عن ارثه أساسا ضد الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والعراقيين وغيرهم من شعوب هذه المنطقة.
هناك ارتداد سياسي خطير، فالمؤسسات الرسمية لدينا تعلن للرأي العام انها تتابع هذه الاعتقالات، لكن الاعتقالات تستمر وتطول، وكأن إسرائيل تريد تصغير المؤسسات الأردنية واهانتها، وتقديمها بصورة هشة وضعيفة وغير قادرة على تحرير مواطن اردني من السجن، واذا كان هذا هو المقصود، فلماذا تواصل مؤسساتنا الحفاظ على معاهدة مثل معاهدة السلام، تتجلى صورها المختلفة، بوصول وفود إسرائيلية سياحية بشكل شبه يومي إلى الأردن، ومعها حمايات امنية مختلفة، وتفترض إسرائيل أيضا ان هذه الوفود يجب ان تسلم خلال الزيارات والا تتعرض إلى أي مضايقات او إشكالات، من جانب أي طرف.
الاحراج الذي تتعمد إسرائيل صناعته في الأردن وتصغير اكتاف الدولة امام مواطنيها، يبدو مكلفا جدا، ولعل المفارقة انها تعتقل أردنيين وفي الوقت ذاته لا تريد الغاء اتفاقية الغمر والباقورة، ولا تريد وقف العمل باتفاقية الغاز، وتريد مواصلة الحصول على إعفاءات لأكثر من ألفي سلعة، بل ومواصلة التنسيق اللوجستي والفني على مستويات مختلفة، إضافة إلى بقية المشاريع الكبرى التي يتم طرحها، كل عام او عامين.
في غمرة كل هذا لا تحاول أي جهة أميركية او بريطانية او غربية التدخل لدى إسرائيل من اجل إطلاق سراح الأردنيين، او تغيير الممارسات الإسرائيلية، التي تصب بشكل واضح ضد أمن الأردن، وبنيته الداخلية، بما في ذلك ملف اقتحامات المسجد الأقصى، التي وصلت حدا يقترب من حدود التهديد الاستراتيجي للأردن، وهذا التدخل الغائب يعبر عن عجز دولي، وسوء تقدير لكلفة هذه الملفات على عمان الرسمية وسمعتها امام مواطنيها.
لقد آن الأوان، ان يحدث تحرك مختلف، لا يقف عند حدود ارسال دبلوماسيين أردنيين لزيارة المعتقلين، او استدعاء دبلوماسي إسرائيلي لتوبيخه، وقد جرب الأردن سابقا ردود فعل ضمن حدود معينة لكنها لم تؤد إلى نتائج، وما يمكن قوله اليوم، ان الاميركيين والأوروبيين بموقفهم السلبي إزاء التحرشات الإسرائيلية ضد الأردن، انما يمنحون المساحة الأوسع من اجل بلورة موقف مفصول عن حسابات عالمية، واكثر قربا لحسابات داخلية، بما يفرض على الأردن اليوم، التحرك بشكل مختلف ضد إسرائيل، على كل المستويات.
إنني أدعو بشكل مباشر إلى اجتماع لمجلس السياسات، وعلى اعلى مستويات الدولة، من اجل إعادة النظر في كل العلاقة مع إسرائيل، ومعاهدة السلام، وتقييم مدى التزام الاميركيين والأوروبيين بضماناتهم الأخلاقية والسياسية، إزاء وضع الأردن، وما تفعله إسرائيل ضده، بشكل يومي، يهدد الداخل الأردني، على مستوى الاستقرار وفي سياقات مصالحه أيضا.
الغد