جاك شيراك: كان حبيب الكل

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
بيير لوي ريمون

حبيب الكل…عبارة نتداولها عادة عندما يتعلق الأمر بفنان أو علامة فارقة من المجتمع المدني، عرفت كيف تحشد الجماهير، مكونة رصيدا من الشعبية يؤذن بإشعاع يضمنه لمعان نجم ليس مرجحا للأفول.
هكذا كان جاك شيراك، الرجل السياسي وغير السياسي معا، أو بعبارة أخرى، الرجل السياسي الذي فهم منذ البداية، وهو مؤسس حزب سنة 1976، سيكتب له أن يصبح العصب الحيوي لليمين الفرنسي لمدة 26 عاما، كيف تُصنَع الحنكة السياسية، تلك التي تتسم بالاستمرارية والدوام، خارج الأحزاب.
كان شيراك فنانا قبل أن يكون سياسيا، كان فنانا سياسيا وعُرِف كذلك… ولأنه عرف كذلك، ظل من رجال الدولة القلائل الذين انتموا لفصيلة السياسي الفنان، أو بالأحرى، الفنان السياسي. كان شيراك شعبيا ولم يعتمد على الشعبوية قط، أو بالأحرى، لأن شيراك كان شعبيا، لم يعتمد على الشعبوية قط. وهذا عين ما حبب الناس فيه، و»ما» هذه، تحمل اسما، اسم صفة قليلة الانتشار ما أحوجنا إليها في أيامنا: الآدمية. كان شيراك آدميا، ويتداول الفرنسي، دلالة على هذه الصفة، كلمة «bonhomme» والكلمة النابعة من أصلها، bonhomie، تحمل دلالة القدرة الخارقة على التأقلم مع الآخر، بكيفية تدل على أن الشخص المتسم بهذه الخصلة يبحث في غيره، أولا وأخيرا، عن « آخر هو أنت «، كما قال أبوحيان التوحيدي. «آخر هو أنت»، برنامج حياة، ولأنه برنامج حياة فهو يشكل ضمنا برنامجا انتخابيا، بل برنامجا سياسيا. لم يكن جاك شيراك رجلا حزبيا، وهو من الذين سيظلون من أكثر المتمكنين من أدبيات علاقة الدولة بالشأن العام؛ أكان الأمر يتصل بملفات تقنية كجدلية التأميم والخصخصة، أو الإدراك الاستباقي بضرورة إصلاح الجيش عبر إلغاء الخدمة العسكرية، نظرا لتوجه جل قوانا العسكرية إلى عمليات عسكرية خارجية (opex)تستوجب الاحتراف، ما استدعى، في نظر من ترقى الى رتبة الكولونيل، عندما أدى الخدمة العسكرية في فترة الاستعمار الفرنسي على الجزائر، وضع حد لـ»التجنيدلم يكن جاك شيراك مجرد صديق الشعب، بل كان قائدها كذلك، حينها ليس غريبا أن تشهد له إنجازات قد ينظر إليها على أنها أحرى بالإسناد إلى عضو من أعضاء الحكومة منه إلى رئيس الجمهورية، كالاجراءات غير المسبوقة التي اتخذها لمكافحة حوادث السير، أو لمساعدة المعاقين. ولا يمكن التوقف عند الأطوار المتعاقبة التي نحتت معالم مسيرة جاك شيراك، بدون استحضار الحدث الذي توج الإشعاع الدولي للرجل إلى غير رجعة: توجُّه ابنه الروحي رئيس الوزراء آنذاك، دومينيك دوفيلبان، إلى مقر الأمم المتحدة لإلقاء خطاب أعرب فيه عن الرفض الفرنسي التام لمسايرة الموقف الأمريكي الداعم لشن حرب جديدة على العراق.

لم يكن جاك شيراك مجرد صديق الشعب، بل كان قائدها وكان مثقفا يحب الثقافة فحببها للشعب
كان جاك شيراك مثقفا يحب الثقافة، ولأنه أحب الثقاقة حببها الى الشعب، ومن أكثر الشهادات دلالة على الأمر تتويج الجولات الثلاث التي أمضاها عمدة لباريس بإنشاء مركز بومبيدو الثقافي، ثم، بعد توليه مقاليد الرئاسة، متحف الفنون الأولية Quai Branly الذي لامس فيه الشعب سعة معرفته بحضارات الشرق الأقصى. نعم، لقد واجه شيراك تهم فساد مرتبطة بالفترة التي أمضاها عمدة لباريس. وما عسى المحلل يقول في ذلك غير أن الحاكم نطق بحكمه. إلا أنه يستطيع إضافة أيضا أن، في زمن لم يكن فيه تمويل الأحزاب السياسية مقننا، انتشرت ممارسات صحيح إن لم تحمد عقباها، لكن صحيح أيضا أن الفراغ السائد آنذاك شجّع منطق «دبّر حالك أيا كان الثمن». كان حبيب الكل، كان مخترعا وبشوشا وحصيفا، كان منظّرا صاحب رؤية، كان ماكرا وأثيرا معا، صاحب مشاريع لخدمة بلده. كان يبحث عن الثقة في الآخر ليسلّمه ثقته به. كان جاك شيراك، حبيب الكل، ولانه كان كذلك، فلسبب أو لآخر، من قريب أو من بعيد، الكل أحبه.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences