الرفق بالحيوان
الشريط الإخباري :
حمادة فراعنة
كنا صغاراً نستقبل توجيهات المدرسين باعتبارها علاءم على طريق الحق والمعرفة، وإذا كان منا من تربطه علاقة ود بالمدرس فهو نبي منزل لا يضاهيه غيره من البشر، وكان مدرس التربية والعربي على الأقل في تجربتي أشدهم توجيهاً نحو القيم والتعامل برفق مع كل من حولنا، ومعنى الوطن وفلسطين والبشر والإنسانية، وأخيراً الرفق بالحيوان.
لم يكن لدينا في المخيم الذي ولدت فيه وتربيت وكبرت باستثناء القطط وقليل من الكلاب وأقلهم الحمير الذين كانوا أدوات نقل للسلع والبضائع وأغلبها الإعاشة التي كنا نحصل عليها من وكالة الغوث شهرياً.
كنا نزعل إذا ضرب صاحب الحمار حماره، وكنا نحزن حينما تتعرض القطط للأذى، وغالباً ما كنا نطعمها كمية الجبنة الصفراء التي كنا نحصل عليها من وكالة الغوث الأونروا، تنفيذاً لمقولة الرفق بالحيوان.
لم أكن عدوانياً بل سلسا أحب الآخر وأعطف عليه، وأساعد كبار السن وأمسك بالأطفال الأصغر مني لقطع الشارع من السيارات، أو لقطع السيل المتدفق في الشتاء، ولم أكن نموذجياً، بل كنت عادياً مثل كل زملائي باستثناء من كان منفراً منهم و»يتزعرن» على الناس مؤذياً متعمداً للحيوانات الأليفة، فالدجاج تعطينا البيض اللذيذ والقطط تحمينا من الحشرات والفئران والأفاعي القليلة السارحة في العشابيات المحيطة بالمخيم وجنباته الزراعية، لذا كنا نرفع شعار الرفق بالحيوان، هكذا تعلمنا، ولم يكن لدينا شعاراً عنوانه الرفق بالإنسان، ولو كان كذلك فهل ما يتعرض له الشعب السوري أو العراقي أو اليمني أو الليبي جائز أو ممكن.
في سوريا تتم التصفيات المتتالية، العرب يعملون على تصفية الكرد، والكرد حينما يتفوقون يثأرون ضد العرب، والسنة ضد الشيعة والعلويين، وهؤلاء يعملون على تطهير مناطقهم من السنة، والمنظمات الجهادية السورية وجيشها الحر الموالي لتركيا والمرافق للجيش التركي يرتكب المجاز بحق الكرد والعرب على السواء، بلا أي رادع، والذين يفرحون لتحرير مناطقهم من الآخر ويعودون إلى بيوتهم إذا بقي لديهم بيوت، تكون مسكونة من آخرين يرفضون الخروج منها لأنها تحولت إلى مساكنهم ودفعوا ثمنها دمًا وتضحيات ولن يغادروها، وتتم التصفيات العلنية وأمام العائلات بسبب النزوع على الملكية، ملكية الأراضي أو البيوت المتبقية التي لم تتعرض للدمار والخراب والانهيار.
جرائم ترتكب بحق الآخر، ولا في الغابات المتوحشة ترتكب مثل هذه الانتهاكات،، وممن؟؟ من مكونات الشعب الواحد، العربي ضد العربي والمسلم ضد المسلم، وكلاهما ضد المسيحي والأشوري والايزيدي، بلا رحمة ولا شفقة، وتتحول عائلات بلا معيل، إلى كم من اللحم، ونساؤها يتحولن إلى لحم جسدي يلبي رغبات المتوحشين الجنسية، أو إلى خادمات يعشن تحت الأحذية والبلاء وقسوة الحياة، وأصعب ما قالته والدة المهندسة الكردية فرهود ابنة 26 عاماً رئيسة حزب سوريا المستقبل قالت بوجع : أفهم أن تتم تصفية ابنتي أمام عيني بطلقة، وإذا لم تمت بطلقتين، أما أن تقتل بثلاثة عشر طلقة مزقت جسدها، ولذلك قالت لن أسامح، لن أصافح وأترك المجرمين إلى المستقبل، إلى الله، ليرد لنا حقوقنا ويقلل عنا وجعنا!!.
لهذا أقول للذين يتمادون في بلدنا في التطرف والعداء والأنانية ارحموا حالكم، ارحموا عائلاتكم حتى لا يصيبنا ما أصاب السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين، تعالوا نحو التفاهم وحلول منتصف الطريق والصبر على الآخر وليكن الحوار هو سيد المشهد، وهو أداة الاتفاق وعنوان الاختلاف، حتى تمر ظروف المرحلة الأقسى التي نعيشها ونمر بها، فالحال من بعضه، وكلنا في المعاناة وإن اختلفت درجاتها، بل جميعنا في حالة الخسارة، والخسارة لأنفسنا وشعبنا وبلدنا.