هاشم المجالي يكتب .. زيادة المتقاعدين حطت من كرامتنا وحارس العمارة رَحَل ...

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
العامل الوافد و اللواء المتقاعد
............
بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي .
.............
لقد أجتمعنا يوم امس نحن الساكنون في العمارة اجتماعنا الشهريّ لأجل مناقشة شؤون العمارة ،وبحضور مشرف العمارة احد الباشوات المتقاعدين ، دار حديث مطول بيننا نحن الجيران حول الأحوال المعيشية لكل منا ، حيث تم تقديم التهاني والتبريكات للباشا ولي أنا شخصيا وللعقيد المتقاعد بمناسبة الزيادة على رواتبنا نحن المتقاعدون العسكريون ،،،،تنهد الباشا وكان تخرج مع كل زفرة مع نفَسٍه غبَرة حمرا حمد والصحراء الشرقية، ولسعات حشرات الشريعة على الحدود الغربية ، وقام باخذ دواء الضغط والسكري والشبكية ، ثم تناول باكورته ليتكىء عليها وهو جالس على الكرسي ،حيث ان بعضا من شظايا حرب ال 67 والكرامة لا زالت في جسمه ،اضافة الى  عملية الديسك التي عملها لا زالت حديثة .

تحدث الباشا بصوت المخنوق و المغلوب على أمره ورأيه وموقفه  وقال لنا قصة حدثت معه واختصر  تفاصيلها  ،قال الباشا : لقد ذهبت في واجب  إجتماعي(عرس وحفلة زواج ) عند احد الأقارب  وعندما قمت بتقديم النقوط لخالة العروس التي عادة تقف بجانب العروس لاستلام النقوطات ، وكان نقوطي مبلغ الخمسون دينار ، قامت خالة العروس بفرك الخمسين دينارا بأصابعها  متأملة أن تكون ليست ورقة واحدة ، وعندما اكتشفت انها ورقة واحدة فقط ،قالت لي أمام الحضور ، هل يعقل  يا باشا ان كل سيف كان على كتفك سعره عشرون دينار والنجمة التي تتوسط السيّفين بعشرة فقط،،،، له ، له ، يا باشا ما توقعتها منك ،أ إلى هذه الدرجة رخصت الرتب ولقب الباشوية ، عندها اعتذرت منها وتأسفت وقلت لها أنني اخرجت من جيبتي الخطاً هذا المبلغ  حيث قمت بزيادة النقوط خمسون دينارا أخرى لم اكن احسب حسابها .

أستطرد الباشا حديثه عن المعايدات واللباس والولائم التي تستهلك منه مبالغ لا تقل عن خمسمائة دينارا شهريا هذا غير ان أولاده واحفادة يتجمعون للغداء أوالعشاء عنده بنهاية كل أسبوع ،وأحيانا يشارك أولاده المتزوجين بدفع الفواتير عنهم ،اضافة الى ما يحمله لهم من مؤن وهدايا اثناء زيارته لمنازلهم .

المهم شعرت انا والباشا والعقيد المتقاعد ان هذه الزيادة التي قررتها الحكومة قد حطت من قدرنا وكرامتنا امام الجيران والمجتمع ككل ، وتمنينا أنها لم تحصل ولم يعلنوا عنها .

ثم  تابعنا الإجتماع المقرر حول العمارة ، وكانت احد الموضوعات التي تم طرحها على الطاولة طلب العامل الوافد سيد المصري  بأن نزيد له راتبه الذي نتشارك به نحن سكان العمارة ، بحيث يدفع كل شخص مننا مبلغ 25 دينار شهريا له ، وكان يطالب بأن يتم زيادت راتبه بحيث يصل الى مبلغ 500 دينار شهريا .المهم بعد التباحث والتشاور كانت هناك مشاورات لعمل الزيادة على الراتب وتحديد مقدارها لتكون بمبلغ  35 دينارا شهريا توزع على سكان العمارة ،رغما  اننا نعرف أنه كان يبذل جهودا مضنية في تلبية رغبات جميع سكان العمارة من شراء سلع ونظافة وحراسة وتسليك للبواليع أحيانا وإصلاح بعض الأعطال في العمارة ، وبعد ذلك قرر اللواء  المتقاعد مشرف العمارة واعضاء الإجتماع ان يزيد كل مالك شقة مننا بالعمارة مبلغ 4.50 دينار على مخصصاتنا الشهرية لتصل الى مبلغ 30 دينارا شهريا ، واتفقنا على هذا القرار ، ثم قررنا عدم ابلاغة إلا عند صباح اليوم التالي  لتكون مفاجئة سارة له بأننا تجاوبنا مع طلبه .

 زاد العامل المصري سيد نشاطه في العمارة مس٠تبشرا خيرا بالزيادة رغم كل محاولاته لمعرفة مقدار الزيادة، ولكن كل محاولاته كانت قد بائت بالفشل والتزمنا نحن باتفاقنا على عدم إخباره إلا عند صباح هذا اليوم . 

وبعد مضي ليلة امس ويداية صباح هذا اليوم  قمنا بإيلاغ الحارس بأنه مقدار ما سنزيده له على راتبه هو مبلغ 30 دينار شهريا تتوزع على اصحاب الشقق في العمارة  .
ضحك سيد المصري في وجوهنا  ضحكة الساخر ، ونزل الى غرفته ولملم أغراضه وهاجر العمارة  ،وقال لنا عبارة تذكرتها الآن عند الإعلان عن زيادة المتقاعدين العسكريين ،

 قال سيد المصري حارس العمارة :
  عمارة لاتقدر جهد من عملوا  فيها نصف قرن وأكثر لا تستحق ان ابقى فيها ، افنيت من عمري 30 سنة وانا اعمل بالعمارة اصلح واخدم واحرس واقوم بأعمال لم تستطيعوا كلكم ان تقوموا بها ، كنتم تنامون في بيوتكم وانا بالشتاء والصيف وبالليل والنهار اترك اولادي وزوجتي لأعمل على خدمتكم ، ولم اتردد في تنفيذ أي امر تطلبونه مني، لقد توقعت منكم ان تحترمونني وتقدرونني لإخلاصي في عملي الذي افنيت أكثر من نص عمري فيه عندكم ،  ولهذا فإنكم لن تجدوا في هذه الايام واحد مثلي ولكنني سأجد أنا غيركم أحسن منكم ، فغادر سيد المصري العمارة منذ الصباح ولم يعد بعدها. ونظرت للباشا الذي كنت  اقف معه لإبلاغ الحارس ،لقد اغرورقت عيناه بالدمع ، وقال لي يا ابو عمر  ،،وأين سنجد نحن المتقاعدون  غير هذا الوطن لنهاجر إليه.

الله يظلمكم ولا بسلٍم فيكم عظم لأنكم ابكيتمونا وقهرتمونا بسخريتكم للمحاربون القدماء ،الجنود الذين نذروا أنفسهم لحماية الوطن في المستقبل.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences