هآرتس: نتنياهو يبحث عن صورة بيضاء في جبل الشيخ هربا من صور “غلاف غزة” السوداء
يؤكد محرّر صحيفة “هآرتس” الكاتب الصحافي ألوف بن، أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يفضّل شمّ هواء جبل الشيخ العليل على استنشاق رائحة البيوت المحترقة في مستوطنة “نير عوز” مقابل غزة.
ويقول الكاتب إن نتنياهو منشغل، قبل كل شيء، بترسيم صورته العامة. فهوَس الرجل بالسيطرة على صورته أمام الجمهور هو ما قاده إلى قفص الاتهام، وهو ما يقف في قلب شهادته في قضايا الفساد الثلاث التي يُتهم بها. لافتا إلى أن نتنياهو ليس عفوياً قط؛ فكلّ صورة ومقطع فيديو له يتم إخراجهما بدقة وتنظيم، ويمكن أن نقسم هذه الصور إلى ثلاثة أنماط: ارتداؤه ربطة عنق زرقاء في مكتبه، وفي المحكمة المركزية، وارتداؤه ربطة عنق حمراء خلال اجتماعاته بالساسة الجمهوريين الأمريكيين، وأخيراً، ارتداؤه سترة من طراز “ينيكلو” خلال جولاته مع الجيش.
ويمضي ألوف بن في حملته قائلا: “أخيراً، تمكن نتنياهو، خلال الأسبوعين الماضيين، من العثور على صورة المنتصر التي بحث عنها عبثاً منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر: إنها صورة رفع العلم الإسرائيلي فوق قمة جبل الشيخ السوري. لقد تحوّلت الهزيمة الفادحة التي ألحقتها حركة حماس بإسرائيل في خريف العام الماضي إلى نشوة تذكّر بنشوة حرب الأيام الستة. فإسرائيل لم تنتصر هنا فقط على حماس وحزب الله وسوريا، بل أيضا قصفت اليمن وإيران، واحتلت أراضيَ جديدة في الجولان من دون مقاومة، أو خسائر إسرائيلية، ومن دون أن يتسبب الجيش الإسرائيلي بقتل ودمار يثيران انتقادات دولية”.
ويقول بن ساخرا، إنه لا يمكن لمخرج مثل نتنياهو أن يفوّت فرص التقاط الصور الجديدة. لذا، طار إلى قمة جبل الشيخ ليرتدي سترة واقية، ويعلن من هناك أن الأرض ستبقى في يد إسرائيل “إلى أن يتم العثور على تسوية أُخرى” (بمعنى: إلى الأبد، أو بحسب تعبيره: نحن الذين سنحدد ما هي التسوية الأفضل).
ويستذكر ألوف بن أن الأسبوع الماضي شهد التقاط صور لنتنياهو في مرتفعات الجولان، بالقرب من الحدود السابقة، لكن هذا لم يكن مثيراً للإعجاب، مثل زيارته لأعلى نقطة في الجبل، تلك النقطة التي أصبحت الآن تحت السيطرة الإسرائيلية.
صورة البيوت المحترقة
طبقا لبن، هذا التركيز الإعلامي المفرط على حضور نتنياهو في الشمال يصبح بارزاً بشكل خاص، مقارنةً بالأماكن التي امتنع نتنياهو من الظهور فيها، مثل كيبوتس “نير عوز” الذي تُرك من دون حماية في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
ويوضح أنه لا يزال العديد من سكان هذا الكيبوتس، حتى الآن، رهائن في غزة، في حين قُتل كثيرون منهم، ولا يزال مَن تبقى من سكان الكيبوتس يكافحون لإعادة بناء حياتهم ومجتمعهم. ويشدد على أن صورة المنازل المحترقة في الكيبوتس لا يمكنها أن تكون خلفية جيدة لصورة قائد يريد أن يُظهر نفسه منتصراً. فمثل هذه الخلفية قد تذكّر بمسؤوليته عن الكارثة التي حلّت بمستوطنات “الغلاف”، ومحاولاته المستمرة للتهّرب منها، حتى لو كان ذلك إلى قمة جبل الشيخ.
ويشير الكاتب الصحافي الإسرائيلي إلى أن نتنياهو ليس وحيداً في سعيه لالتقاط الصور في رأس الجبل. فقادة المنظومة الأمنية أيضاً يفضّلون الظهور في جبل الشيخ والتباهي بكميات الذخائر التي دُمرت في سوريا، قبل أن تُنشر تحقيقات عن أدائهم قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر وخلاله.
ويضيف: “إنها هجمة وقائية بحسب الجيش الإسرائيلي، وتعاوُن ما بين الفروع ورئيس الوزراء الذي أصبح، فجأة، يتودد إليهم، بدلاً من مهاجمتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
كارثة السابع من أكتوبر
يقول بن إن هذا الأمر يمكن تفهّم بواعثه. فإلى جانب الحاجة المؤلمة لنتنياهو وقادة منظومة الأمن إلى طمس كارثة 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فإن احتلال جبل الشيخ السوري مناسب أيضاً للعلاقة الهوسية التي تربط إسرائيل بجارتها الشمالية منذ قيامها عام 1948. إن جذور هذه العلاقة تمتد إلى عهد التوراة، وقد اعتُبرت سوريا منذ 1948 العدو الأكثر وحشيةً، والأكثر خطورةً على إسرائيل، ثم لاحقاً: اعتُبرت جاراً موثوقاً به، وطامحاً إلى الاستقرار، أو شريكاً في مفاوضات السلام.
ويتابع الكاتب: “يمتلئ إرث الحرب الإسرائيلية بقصص المواجهات مع سوريا، بدءاً من الدبابة السورية التي تُركت في كيبوتس دجانيا جنوبي بحيرة طبريا في سنة 1948، مروراً بالقصف من الجولان على مستوطنات الوادي، ثم حرب المياه في ستينيات القرن الماضي، والدعم السوري لحركة فتح الذي أدى إلى اندلاع حرب 1967 والقصص المرعبة التي رواها الأسرى الإسرائيليون عن السجون السورية، ومعركة جبل الشيخ في سنة 1973، وتدمير الصواريخ السورية في لبنان عام 1982، ثم قصف المفاعل النووي السوري في 2007، وصولا إلى المعركة بين الحروب في العقد الأخير، حين شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات لا حصر لها على الأراضي السورية”.
المسار السوري
في موازاة ذلك، يقول ألوف بن إن “إرث السلام الإسرائيلي” أيضاً كان مليئاً بالنقاش بشأن “المسار السوري” الذي ازدهر في التسعينات، حتى انتهى في سنة 2000. لقد حاول كل من إسحاق شامير، وإسحاق رابين، وبنيامين نتنياهو، وإيهود باراك، تحقيق السلام مع الرئيس حافظ الأسد.
صحيح أن الطرفين تهرّبا من التسوية، لأنهما لم يرغبا في دفع ثمنها، إذ رفضت إسرائيل الانسحاب إلى حدود 1967، وخشيَ الأسد التنازل عن موقعه المركزي في “المقاومة” ودعم روسيا وإيران.
ثم حاول إيهود أولمرت ونتنياهو مرة أخرى التوصل إلى تسوية مع ابنه بشار، إلى أن جاء “الربيع العربي” كي تضع الحرب الأهلية السورية حداً لهذه المساعي.
ويخلص محرّر “هآرتس” لنسف مزاعم نتنياهو، مؤكدا استعداده “للتنازل عن الجولان في الماضي” بقوله: “إنه سيكون أمراً مثيراً، إذا ما فتح حكّام دمشق الجدد الخزينة الدبلوماسية للأسد، وكشفوا ما عرضه نتنياهو في مقابل السلام. يزعم نتنياهو أنه رفض الانسحاب من الجولان، بخلاف ما يتذكره مشاركون آخرون في المفاوضات. لكن إلى أن يتضح مدى التنازلات التي قدّمها نتنياهو، يمكن للرجل الاستمتاع بهواء القمم في جبل الشيخ السوري وعرض نفسه كمقاتل ومنتصر. ستُنشر صوره وهو يتجول على الجبل في جميع وسائل الإعلام