كيف أسقطت عصا السنوار نظام الأسد؟
أدّت عملية «طوفان الأقصى» 2023 إلى تحريك هائل لساعة تاريخ منطقة «الشرق الأوسط». شهدنا تحوّلات استراتيجية كبرى كان أكثرها مفاجأة، سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، في أكبر صدمة ارتدادية للأحداث التي بدأت في 7 تشرين أول / أكتوبر 2023.
كان يحيى السنوار، زعيم حركة «حماس» مهندس الهجوم الشهير، قد استشهد يوم الأربعاء الموافق 16 تشرين أول/أكتوبر الماضي، بعد تبادل إطلاق نار في رفح، جنوب قطاع غزة، في عملية عسكرية غير مخطط لها وعشوائية، وكان يقاتل على الأرض حتى النهاية، مرتديا زيّه العسكري وحاملا بندقيته، وعندما أصيب استخدم عصاه ليقذف بها طائرة مسيّرة تطارده.
فاجأ «الطوفان» الجميع، بمن فيهم إيران، الحليف الإقليمي لحركة «حماس». عملت طهران على بناء شبكة وكلاء دفاعية متعددة الطبقات ضمن نظرية «الدفاع الأمامي» وشكّلت ما يسمى «محور المقاومة» من شبكة مكوّنات وعناصر تعمل ضمن عقيدة «وحدة الساحات» ركنها الأساسي هو حماية إيران وردع أعدائها، بحيث تقوم فيها الساحات الأخرى بمواجهة أي هجوم على إيران.
قلب السنوار، بعملية «الطوفان» البوصلة والأولويات مما فرض على إيران الاستنفار وعلى أطراف «محور المقاومة» المشاركة في «حرب إسناد» غزة، والأغلب أن طهران و«حزب الله» القوة الرئيسية لها في المنطقة، افترضا أن تحافظ الحرب مع إسرائيل على وتيرة محددة، لكن ما ظهر عمليا هو أن الدولة العبرية كانت تخطط استخباراتيا وعسكريا لهذه المواجهة، وأنها انتقلت من «حرب النقاط» إلى توجيه ضربات قاصمة للحزب، وفرضت على طهران مواجهة مباشرة يمكن أن يؤدي تصعيدها إلى حرب شاملة مع إيران.
ما لم تتبينه إسرائيل خلال اندفاعها الأعمى لإبادة الفلسطينيين في غزة، وشعورها بغطرسة القوة بعد القضاء على عدة مراتب قيادية في «حزب الله» وتخطيطها المستمر لفتح حرب ضد إيران، هو الضعف الشديد الذي أصاب قدرة العائلة الحاكمة في دمشق على حكم البلد، مع تركيزها على تهريب الأموال والتجهّز للعيش في المنفى، ومع تحوّل «قوات النخبة» مثل «الحرس الجمهوري» والفرقة الرابعة، إلى آلة للقتل وإنتاج المخدرات.
لعبت هذه العناصر دورا كبيرا في انفكاك أقرب حلفاء النظام عنه، ومع تلقي القوات الإيرانية، والميليشيات المحسوبة عليها، ضربات كبيرة داخل الأراضي السورية، ومع سعي النظام الواضح لإبعاد نفسه عن حرب إسناد غزة، زادت شكوك طهران وحلفائها بوجود اختراقات كبرى ضمن القيادات العليا للنظام وأجهزة أمنه، أو باحتمالات تعاونه مع إسرائيل، كما أضاف سحب روسيا طائرات من قاعدتها في حميميم للمشاركة في حرب أوكرانيا من انكشاف النظام وضعف غطائه الجوي.
كانت قوات المعارضة السورية، خلال السنوات الماضية، تحسّن قدراتها، وتخطط لهجوم منسّق واسع، وتطوّر أسلحة جديدة فتاكة كمسيّرات الشاهين، وتجهّز خلايا نائمة في المدن السورية، وتناظر ذلك مع حراك مستمر في محافظة السويداء، وقلاقل مستمرة في درعا، وحين بدأت معركة لاستعادة مدينة حلب، فوجئت المعارضة بانفتاح الطريق لها في اتجاه حماة، حيث خاضت معارك عنيفة، أدى حسمها إلى إحساس لدى قادة النظام باقتراب سقوطه، فانفتح الطريق لمعارضة الجنوب والشمال وأرياف دمشق، واختفى مسؤولوه الكبار وفرّ رئيسه إلى روسيا!
حرّكت «حماس» بطوفانها أحجار الدومينو في الشرق الأوسط، ويظهر إعلانها قبل أيام، عن مباركتها للشعب السوري بتحقق تطلعاته نحو الحرية والعدالة، وإدانتها للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية، فهما تاريخيا عميقا لما حصل.
في استعادة مذهلة للآية الكريمة «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» سقط السنوار شهيدا دفاعا عن تراب فلسطين، أما عصاه فساهمت في إسقاط نظام الجبروت والطغيان الأسدي في سوريا!