تعديل عقوبات جرائم المخدرات

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

من الطبيعي أن تتخذ الدول الديمقراطية، والمرنة، تدابير قانونية تتواءم وظروفها، والقاعدة المتعارف عليها دوما، أن القوانين تتغير باستمرار، لتتعامل مع تطورات وتعقيدات التفاعل البشري، فلا عجب مثلا، حين تجري تعديلات على قانون السير، حين تتكاثر مخالفات من نوع جديد، او حين تكون هناك ظروف جديدة على الشوارع، تدفع الاستراتيجيين أن يفكروا بحلول للمشاكل.

المخدرات؛ الآفة السلاح، التي تفتك بالدول من خلال أغلى ما تملك، وهم شبابها، وهي أيضا السلاح الدولي «القذر»، الذي تقوم الدول بتجنيد عصابات وأحيانا أجهزة ملحقة بالجيوش، لتسليطه على دولة معادية، ونحن في الأردن ومنذ عقد ونصف تقريبا، ونحن في عين الاستهداف بهذا السلاح، واتخذت الدولة تدابير تعتقد أنها مناسبة، لمكافحة هذه الآفة، وأعلنت عليها حربا لا هوادة فيها، وقامت الدولة من خلال أجهزتها المعنية بمراجعة وتقييمات مستمرة للنتائج التي حصلت عليها، وعدّلت وبدّلت، وأضافت وربما ألغت، إجراءات وقوانين وعقوبات.

اليوم وأمام ظروف جديدة استجدت، متعلقة بهذه الآفة، وبنتائج مكافحتها، وكبح جماح شر انتشارها، يجري التفكير بتعديلات تشمل قوانينها وعقوباتها.

حوالي 27 ألف قضية، هو الرقم المتداول عن عدد القضايا التي جرى تحويلها لمحكمة أمن الدولة عام 2024، وهو رقم كبير جدا، ومرعب، ولا يمكنني شخصيا التسليم به دونما أسئلة وملاحظات، فعلى صعيد السجون مثلا، فهي لا تستوعب مثل هذه الأعداد من الناس، فهي اعداد تتزايد ولا تتناقص، ولا نقول بأن كل هذه القضايا تكون فيها قرارات حكم بتجريم المتهمين، وهي ملاحظة كتبنا عنها مرارا وتكرارا، حيث ثمة عصا غليظة، بيد الضابطة العدلية المتمثلة بجهاز مكافحة المخدرات، تجعلنا نطلق تساؤلات حول إجراءاتها.

ومن وجهة نظري أن جهاز مكافحة المخدرات، يحتاج إلى مزيد من كوادر، ومختصين في مجال التحقيق، للتوسع في تحقيقاتهم مع اي مشتبه به، قبل بناء قضية وتحويلها لمحكمة أمن الدولة، فالضغط على هذا الجهاز كبير، ولا يملكون لا وقتا ولا كوادر تكفي، للتوسع في تحقيقاتهم، الأمر الذي أدى إلى تراكم أعداد القضايا في أروقة النيابة العامة، ومحكمة أمن الدولة، وأصبح القضاة أيضا تحت الضغط، فالقاضي ينظر بعشرات القضايا يوميا، وبالكاد تكفي اوقاتهم، سواء ساعات الدوام الرسمي، او حتى ساعات النهار، لدرلسة القضايا وإنجازها في وقت منطقي، وهذا ينعكس على العدالة نفسها، فبعض المتهمين، يكونون ابرياء، حسب أحكام المحكمة القضائية، ويجري توقيفهم فترات طويلة، تضيع معها حيواتهم، فوق الخسائر المعنوية المصاحبة..!

المتوقع؛ أن يكون تدفق المخدرات مرورا او استقرارا في الأردن، قد انحسر، بسبب التطورات «الإيجابية» التي حدثت في سوريا الشقيقة، وهذا يعني ان جبهتنا الشمالية باتت اكثر مأمونية، وساحتنا الداخلية أكثر خلوا من مادة المخدرات، وكذلك مراكز الإصلاح والتأهيل (امتلأت)، فيجب إجراء تعديلات على نظام العقوبات القضائية، وقبل ذلك دعم جهاز مكافحة المخدرات بكوادر أخرى في مجال التحقيق والتحري، وما يقال عن جهاز المكافحة، يقال أيضا عن مراكز الإصلاح والتأهيل، وعن كوادر النيابة العامة ومحكمة أمن الدولة.. كلها جهات تعاني، وحان الوقت لإزالة معاناتها او تخفيفها.

ولن نتحدث عن التفاصيل المتعلقة بالأخطاء الناجمة عن بعض الإجراءات، وعن ضحاياها.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences