الذكاء الاصطناعي والدخول إلى خصوصيات البشر

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

الذكاء الاصطناعي والدخول إلى خصوصيات البشر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أ.د رشيد عبّاس

منذُ أكثر من عامين كنتُ قد كبتُ أكثر من مقال حولالذكاء الاصطناعي من حيث تقنيته وخوارزمياته, ومن حيث أقسامه وادواته وآليات عمله, وصولاً إلىتطبيقاته  المتنامية في جميع جوانب الحياة البشرية, وتوقفتُ عند خطورة الجانب الأخلاقي له ببعديهالمادي والمعنوي على حياة البشر.  

تبدو خطورة الذكاء الاصطناعي من عدم وجودتشريعات وقوانين ضابطة له, الأمر الذي جعل مبدأالمسائلة معطّل تماماً, وجعل أيضاُ انضباط الجانبالأخلاقي والجانب الإنساني في هذا الذكاء منعدمإلى حد ما, فضلاً عن  خصوصية حياة البشر باتتمتاحة وتحت رحمة التحول الرقمي لخوارزمياتولوغرتمات الذكاء الاصطناعي وأقتراناته الاسية.

لقد تجاوز الذكاء الاصطناعي كونه قادراً علىالتحكم في جميع شؤون مجالات حياة البشر, وقادراًعلى احتلال آلاف الوظائف التي كان وما زال يقومبها البشر والتي تُنذر بالاستغناء عن هؤلاء البشر, لنصل بعد ذلك ومن خلال الجيل الخامس من هذاالذكاء إلى نقطة مُقلقة تتمثل بضرب البشر بعضهمببعض اجتماعياً, واختراق خصوصياتهم دون أيةمراعاة  للجانب الأخلاقي والإنساني سواء بسواء. 

رواد الذكاء الاصطناعي (إيلون ماسك, سام إلتمان, جفري هينتون,..) وصولوا إلى نقطة خطيرة للغايةتتمثل في إمكانية أن تعطي الروبوتات أوامر معينةلبعضها البعض دون تدخل البشر فيها, وأبعد منذلك وصولوا إلى مرحلة متقدمة في توجيه طائراتالدراون تعليمات معينة لبعضها البعض في غيابتحكم البشر فيها.. وفي نفس الوقت أبقوا علىالجانب الأخلاقي والجانب الإنساني دون تشريعاتوقوانين ناظمة تحترم وتراعي خصوصيات البشر, بالذات في الجانب الشعوري للإنسان, الأمر الذيفتح الباب على مصرعيه أمام الكثيرين للدخول إلىخصوصيات البشر وأسرارهم والتلاعب فيهاكإضافة أو حذف محتوى معين, أو تشوية الصوتوالصورة, وذلك من خلال التلاعب في تركيبالاصوات والصور معاً.

اليوم ومن خلال خوارزميات ولوغرتمات الذكاءالاصطناعي وأقتراناته الأسية قد تشاهد فيديولزوجتك في سرير رجل غريب, وقد يُنقل عنك عبرفيديو حديث غير لائق لم تقله عن شخص ما, وقدتشاهد فيديو لمشاجرة أب لك مع جار له, وأكثر منذلك قد تشاهد حادث اصطدام سيارة ابنك في عمودكهرباء, لا بل هناك امكانية خوارزميات ولوغرتماتالذكاء الاصطناعي وأقتراناته الاسية أن تشاهدبنتك تغني بلباس فاضح على مسرح كبير يعجبالحضور من الرجال في احد المناسبات.

الأمر قد يبدو هنا مضحكاً, فقد يأتوا بمذيع اخبارمعروف ويجعلوه يعلن خبر مزعج ويترتب عليه مشاكلاجتماعية عديدة, وقد يجعلوك تقود سيارة نفايات فياحدى المدن وتتوقف عند الحاويات فيها, ثم هناكامكانية عالية لدى الذكاء الاصطناعي بجعلك جزاراًتقوم بتقطيع اللحوم وبيعها على الزبون, وقد يأتوابصاحب عمامة كبيرة  ليفتي بقضية عليها خلافديني معين.. نعم قد يجعلوا منك رجلاً متسولاً في احدى الزقاق.  

والحال هكذا سيجد العالم نفسه أمام ذكاءالاصطناعي لديه القدرة على إيقاع الفتن بين أفرادالبشر حاكمين ومحكومين وضربهم ببعضهم البعض دون أية ضوابط تُذكر, والعمل على اختراقخصوصياتهم دون أية مراعاة للجانب الأخلاقيوالإنساني في ذلك, في الوقت الذي فيه ما هو عيب/ مُحرّم في مكان ما, قد يكون ليس عيباً/ ومُحلّل في مكان ما آخر.

ولعدم وجود تشريعات وقوانين ناظمة للذكاء الاصطناعي ستكون المجتمعات أمام مشكلات وخلافات اجتماعية وأيدولوجية عديدة, يصعب إيجاد حلول لها, وللخروج من هذه التحديات, لا بد منتفعيل مبدأ المساءلة, في ظل وجود تشريعات وقوانينناظمة, تحترم خصوصيات البشر, وتراعي الجانبالأخلاقي والجانب الإنساني لهم.. كيف لا والذكاءالاصطناعي سيكون عابر لجميع المجتمعات, في الوقت الذي فيه خصوصية اجتماعية وأيدولوجية لكل مجتمع من هذه المجتمعات.  

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences