بمناسبة «الفعلة النكراء»
الشريط الإخباري :
عريب الرنتاوي - تفتح جريمة الاعتداء على السائحين في جرش الباب رحباً لنقاش هادئ حول واقع بعض المناطق الأقل حظاً في قلب المدن الأردنية وعلى أطرافها، بما فيها المخيمات وجوارها، إذ قلما تحظى هذه المناطق بالاهتمام والتركيز من قبل الحكومات والأحزاب والمجتمع المدني سواء بسواء، حتى أنها بدت متروكة لنشاط قوى وشبكات وجماعات، أتقنت فن «التسلل» إلى هذه البيئات، بصمت وعلى نحو متدرج، ومن دون أن تلفت الأنظار.
قلما تسمع عن أنشطة حكومية «توعوية» تجري في هذه المناطق... وزارتا الشباب والثقافة معنيتان بإيلاء اهتمام خاص بالأجيال الشابة من أبناء وبنات هذه المناطق، قبل أن يتحولوا إلى «قنابل موقوتة ومتجولة» ... قلما تسمع عن منظمة مجتمع مدني، تتخذ من هذه المناطق مقرا لها، أو تختص بتوجيه أنشطتها لأبنائها وبناتها، معظم الجمعيات في هذه المناطق، وعلى أطرافها ذات طابع قروي – حمائلي، تقوم على أساس رابطة الدم القرابية... ونادراً ما تقوم هذه الجمعيات، بحكم التفويض الممنوح بها، بأنشطة ذات أهمية تذكر، تتعدى الأفراح والأتراح والاحتفاء بالطلبة الناجحين في امتحان الثانوية العامة.
كثير من الأحزاب بدورها لا تحتفظ بأي حضور فاعل يذكر في أوساط هذه المناطق، كثيفة السكان، وربما باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي، فإنك لن تجد فيها سوى وجوداً رمزياً لبقايا أحزاب قومية ويسارية... ما يعني أن ثمة «فراغا» سياسيا وثقافيا في هذه المنطقة، لن تجد بعض القوى والجماعات والشبكات ذات الخطاب الديني، وبعضها متطرف، صعوبة في ملئه وإحكام قبضتها على الفضاء العام.
إن ما يقلقني بشأن هذه المناطق، هو حجم «النشاط غير الرسمي» الذي تقوم به شبكات وجماعات في أوساط المواطنين والمواطنات، ومن بينها شبكات نسائية، تتغطى بالوعظ والإرشاد والدعوة... تمسك بزمام الأسر البائسة واليائسة من خلال استهداف ربات المنازل، اللواتي لا يعملن في العادة، ومن خلالهن، تجري السيطرة على جيل بأكمله، وعياً وثقافة وتوجها.
ثمة حذر حكومي واضح حيال فتح الفضاء العام في هذه المناطق للعمل المدني والحزبي ... لذا يضطر ناشطون في اوساطها إلى استدعاء المشاركين والمشاركات منها إلى خارجها، في فنادق وقاعات تقع في العادة في «عمان الغربية»، لكأننا لسنا أمام أنشطة تحفر في عمق التربة الاجتماعية والثقافية لهذه المناطق، بل أمام ضربٍ من «سياحة» المؤتمرات والندوات... هذه المقاربة، يجب أن تنتهي، وفوراً، فالمتشددون والشبكات التي تعمل من دون ضجيج ولا كلل أو ملل، لا تبحث عن «موافقة أمنية» من المحافظ لمزاولة أعمالها، وهي في الأصل، لا تمتلك مقرات لأنشطتها، بل ولا تهتم بذلك أصلاً، فلديها في كل منطقة، عدد وافر من بعض المساجد وبعض الجمعيات والمراكز «الخيرية»، وهي على مواعيد يومية منتظمة مع المواطنين والمواطنات، خمس مرات على الأقل، توظفها لإفراغ ما في جعبتها من قراءات شاذة وفتاوى مرعبة وأساطير وخرافات كفيلة بتحييد العقل.
ثمة حاجة للتفكير باستراتيجيات وبرامج للتعامل مع هذه المناطق، وتنميتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وروحياً ... يجب النظر إليها من نفس المنظار الذي نتطلع من خلاله لمختلف المناطق الأقل حظاً في الأطراف، فلا يعقل أن يكون «التحدي» تحت نظرنا، وعلى مبعدة أمتار منا، فيما نحن نقف صامتين، بلا حراك.
أتمنى على الحكومة، بحلتها الجديدة، أن تأخذ الأمر بنظر الاعتبار، وأن تفكر وهي تضع استراتيجياتها الثقافية والشبابية والرياضية والتنموية، أخذ هذه المناطق بنظر الاعتبار، إن لم يكن من أجل أهلها وناسها، والذين هم أردنيون وأردنيات كذلك، فمن أجل خدمة الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي بصفة عامة.