دولة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة… رجل الهيبة وصانع التاريخ
بقلم: عوني الرجوب – باحث وكاتب سياسي
في وطنٍ تختبره الأيام، وتُقاس فيه معادن الرجال، تبقى بعض القامات شاهقةً لا تهتز أمام العواصف، ولا تنحني لتقلبات الزمن. رجالٌ إذا ذُكرت أسماؤهم ارتفعت معها الهيبة، وإذا حضرت سيرتهم حضر معها معنى الدولة ومجدها.
وفي مقدّمة هؤلاء، يقف دولة الدكتور عبدالرؤوف الروابدة، أبو عصام… رجلٌ لا يشبه إلا ذاته، وقامةٌ تستحضر معها الأردني الذي لا تُبدّله المناصب، ولا تُغرِيه الألقاب، ولا تُطغيه المظاهر.
ليس الروابدة مجرد سياسي مرّ على الحكم مرور العابرين، بل هو من أولئك الذين تُبنى حول تجربتهم معادلات السياسة، ويُعاد عبر مواقفهم تعريف مفهوم رجل الدولة. رجلٌ بحجم مؤسسة، واسمٌ بحجم تاريخ، وتجربةٌ بحجم وطنٍ أحبّه وأخلص له بكل جوارحه.
إنه فارس الكلمة، أبو اللغة العربية، الذي يجيد النحو والصرف والعروض، ويعرف من العلوم ما يجعل حديثه مرجعًا، ومن التاريخ والجغرافيا بستانًا واسعًا يثمر حكمة ووعيًا.
عرفته بحكم القربى والجيرة والصداقة والمودة، كما يعرفه أهل الصريح وكل الأردنيين. فإذا اقتربت منه، ازددت يقينًا بأنك أمام رجلٍ صقلته التجارب، ورفعه ثقل المسؤولية لا لمعان الكراسي.
رجلٌ يملك حضورًا يُشعرك بأنك في حضرة دولة مكتملة، لا في مجلس عابر، وحين تجلس إليه تُوقن أن الحكمة ليست زخرفًا من القول، بل خلاصة عمر عاشه في خدمة وطنه، مدفوعًا بصدق الانتماء وعمق الولاء.
تدخل إلى بيته، فتجد كرم الأردني الأصيل، وسعة الصدر، وطمأنينة الحوار، وهيبة الرجل الذي يعرف قيمته، ويحفظ في الوقت ذاته قيمة من يزوره.
هيبةٌ لا تُصنع، ووقارٌ لا يُشترى، وودٌّ لا يُتكلَّف.
رجلٌ يجمع بين الشهامة والفصاحة، بين الرزانة والمعرفة، بين الحكمة والإنسانية.
الروابدة ليس صاحب موقفٍ واحد، بل صاحب تاريخ كامل من المواقف التي تُروى في مجالس السياسة كما تُروى في الذاكرة الوطنية.
مواقفه تُشهد لها ساحات القرار قبل المنابر، ويشهد لها الخصوم قبل الأصدقاء.
رجلٌ إذا قال… قال عن بصيرة.
وإذا وقف… وقف بثبات.
وإذا اختلف… اختلف بشرف الرجال الكبار الذين يعرفون أن الاختلاف لا يُنقص الهيبة، ولا يُلغي الوفاء.
لقد تعلّمنا من تجربته أن صلابة الموقف لا تعني ضجيجًا، وأن الجرأة لا تحتاج إلى صراخ، وأن رجل الدولة الحقيقي لا يبحث عن الضوء، بل يصنعه من ثبات قراره، ونقاء سيرته، وعلمه الواسع، وعمق ثقافته.
ويشهد له كل من عرفه أن:
هذا الرجل لا يتراجع حيث يتردّد الآخرون، ولا يلين حيث يضعف غيره، ولا يساوم حين تكون المصلحة وطنية خالصة.
وقد تشرفت اليوم بلقاء دولته، كما أتشرّف بزيارته دائمًا، فكان اللقاء كما عهدته:
• عقلٌ راجح
• صدرٌ رحب
• مجلسٌ يفيض وقارًا وصدقًا ونباهة
فما إن احتجناه يومًا إلا كان أول الحاضرين، وما إن اشتدّ الموقف إلا كان أقدر الناس على حمل ثقله، وأشدّهم حفاظًا على ثباته ورجولته.
ومن يعرف سيرة الروابدة يدرك أن صلابة ووضوح المشهد السياسي يعود إلى رجالٍ من طينته؛ رجالٌ لم يسمحوا لبوصلتهم أن تنحرف، ولا لكرامتهم أن تُساوَم، ولا لموقفهم الوطني أن يتلوّن.
وأعظم ما يُقال في حق دولة أبو عصام أنه أحد أولئك الرجال الذين تُقاس بهم المرحلة، ويُعرف بهم الثبات، وتُوزن بهم المواقف.
فهو ليس مجرد رئيس حكومة سابق، ولا رئيس مجلس أعيان، بل أحد أثقل رجال الدولة بعد وصفي التل، وأشدّهم جذرًا في الوطنية، وأكثرهم صدقًا مع الذات والوطن. إنه بلدوزر الحكومات وراسم السياسات.
هو مدرسة في الجرأة، ومرجع في الحكمة، وفارس الكلمة، ونموذج للرجل الذي:
لا يبدّله الزمان• ولا تغيّره المواقع
• ولا تنال منه الرياح
حفظ الله دولة أبي عصام، وأدام عليه الصحة والعافية وطول العمر، وجعله ذخرًا لوطنٍ يعرف جيدًا أن الدول لا تبقى قوية إلا برجالٍ من أمثاله… رجالٍ يُشبهون الأردن في صلابته، ويشبههم الأردن في وفائه.








