امل خضر تكتب .....وصفي التل الرجل الذي تجاوز زمنه وبقي معيار

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

الرجولة في وطن لا يقبل إلا النبلاء في حياة الأمم محطات تُكتب بالدم لا بالحبر، بالرجال لا بالمقاعد، وبالمواقف لا بالتصريحات.
ومن بين كل تلك المحطات يقف وصفي التل كقمةٍ لا يصلها أحد، ورمزٍ لا يذبل، ورجلٍ لم يأتِ ليكون جزءًا من المشهد، بل ليصنع المشهد كله.
وصفي لم يكن سياسيًا عاديًا، ولم يكن رئيس وزراء من أولئك الذين يمرّون ثم يمحى أثرهم. كان حالة فريدة، حالة لا تُشبه غيرها، رجلًا منح الوطن معنى إضافيًا، ومنح الأردنيين تعريفًا جديدًا للشجاعة والنقاء والإخلاص.
كان يشبه الأردن في ملامحه، في صوته، في حدّة نظراته، في عناده الشريف، في قدرته على أن يبقى واقفًا مهما اشتدّت العواصف.
كان يمشي بين الناس كما لو أنه يعرف كل واحد منهم بالاسم، ويعرف همّه، ويعرف كيف تمشي الأرض تحت أقدام الفلاح، وكيف يحرس الجندي الحدود عندما تنام المدن.
كان مشروع دولة لا رجلًا فقط مشروعًا يؤمن بأن الزراعة ليست نشاطًا اقتصاديًا، بل جذور وطن. وبأن الجيش ليس مؤسسة بل روح. وبأن المواطن ليس رقمًا بل قيمة.
وحين اغتيل لم يُغتل شخص. اغتيل موقف. اغتيل ضمير. اغتيل رجلٌ كان يمكن أن يكتب صفحة أخرى للأردن لو امتد به العمر قليلًا.
لكن بعض الرجال لا يموتون بالرصاص.
وبعض الغياب يبقى حضورًا.
وبعض الأسماء لا يستطيع التاريخ أن يطويها، لأنها أكبر من أن تُطوى.
وصفي التل واحد من هؤلاء.
رجلٌ ما زال الأردنيون يرفعون رؤوسهم عندما يسمعون اسمه، وما زالوا يقولون هكذا يكون الرجال وهكذا يكون الوطن فهناك رجالٌ يرحلون، فيُطوى معهم فصلٌ من الحكاية ورجالٌ حين يغادرون تبدأ الحكاية من جديد، كأن دمهم حبرٌ يُعاد به كتابة الوطن.
وصفي التل لم يكن رئيس حكومة فقط، بل كان ضميرًا يمشي على قدمين، مشروع دولة ترى نفسها في صدقه قبل أن ترى نفسها في مرايا السياسة. بقيَ اسمُه حيًّا لأن الشهداء لا يموتون، ولأن الوطن يحفظ ملامح الذين أحبّوه أكثر من أنفسهم.
وعندما نذكر وصفي التل، فإننا لا نستدعي رجلًا من الماضي، بل نستحضر فكرةً عصيّةً على التكرار فكرة أن الكرامة ليست شعارًا، بل فعلًا يُدفع ثمنه من الروح.
سلامٌ على وصفي شهيد الفكرة لا المنصب، وصوتُ الأرض حين تُخذل، ووجهُ الأردن حين يبحث عن صورته الأصدق.
سلامٌ عليه في دفاتر التاريخ، وفي ضمائر الأوفياء، وفي كل قلمٍ يعرف أن الكتابة عن وصفي التل ليست مهمةً صحفية بل وقفة احترام أمام رجلٍ صنع من ذاته وطنًا يمشي بين الناس .

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences