ويل للعرب من شر قد اقترب: العرب والمسلمون بين الاستهداف الدولي والوحدة الحضارية
قراءة سياسية وتحليلية في جذور العداء الدولي للعرب والمسلمين
بقلم: عوني الرجوب – كاتب ومحلل سياسي
منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم، يشهد العالم العربي مظاهر متكررة من الاستهداف الدولي المباشر وغير المباشر. لكن ما يميز المرحلة الحالية هو التنظيم المؤسسي للعداء الدولي ضد العرب والمسلمين، الذي لا يفرق علنا بين دين وآخر، بل يركز على العروبة نفسها كهوية تاريخية وحضارية، مترسخة في الثقافات والديانات المشتركة.
ويل للعرب من شر قد اقترب، تحذير يعكس واقعًا صارخًا: تحالفات دولية، مشاريع استيطانية، هيمنة اقتصادية وثقافية، وحملات إعلامية ممنهجة، كلها تستهدف العرب، سواء مسلمون أو مسيحيون، باعتبارهم كتلة واحدة في المقاومة للحظيرة الغربية والصهيونية.
الاستهداف الغربي للعرب لم يبدأ مع أحداث القرن العشرين، بل يعود إلى التوسع الاستعماري الأوروبي. ففي القرن التاسع عشر، سعت القوى الغربية لإضعاف الدول العربية عبر التقسيم الاستعماري في مصر، المغرب، وشبه الجزيرة العربية، وخلق تحالفات مع الأقلية المسيحية أو الأقليات المحلية لتعميق الانقسامات. وفي فترة الانتداب بعد الحرب العالمية الأولى، تم رسم خرائط جديدة لمصادر الثروات والسيطرة على المعابر الحيوية، مع استهداف مباشر للعروبة كوحدة حضارية. حتى بعد الاستقلال، استمرت السياسات الغربية في التلاعب بالتحالفات العربية واستغلال الصراعات الداخلية، بهدف تحييد تأثير العرب على الساحة العالمية. الدرس التاريخي واضح: العرب، عبر قرون، كانوا هدفًا دائمًا لكل مشروع غربي يسعى للسيطرة، لأن هويتهم الحضارية كانت – وما زالت – مصدر قوة واستقلال.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، واجه الغرب تحديًا جديدًا: فقدان “العدو التقليدي” والحاجة إلى تعزيز ميزانيات الدفاع والمشاريع الاستراتيجية. هنا ظهر العرب والمسلمون كهدف رئيسي. تحولت صورة الإسلام إلى “ملف أمني”، وتحولت المقاومة العربية إلى تهديد جيوسياسي. صوّر الإعلام الغربي كل احتجاج عربي أو مقاومة للاحتلال أو للهيمنة كخطر على “النظام الدولي”، بينما فرضت حكومات الغرب سياسات أمنية صارمة، تركز على المهاجرين العرب والمجتمعات المسلمة دون مراعاة للعدالة أو الاختلاف الديني. النتيجة أن العرب أصبحوا محورًا للصراعات الإعلامية والسياسية الدولية، بينما تُعفى الجهات الأخرى من المحاسبة.
إحدى أبرز مظاهر العداء تكمن في ازدواجية تعريف الإرهاب. إذا كان الفاعل عربيًا أو مسلمًا، يوصف الفعل فورًا بالإرهاب، بينما إذا كان الفاعل غربيًا أو إسرائيليًا، حتى لو ارتكب أعمالًا أكثر عنفًا، يُقدم على أنه “حادث فردي” أو “اضطراب نفسي”. هذه الازدواجية متجذرة في التشريعات، الإعلام، والمنظومات الأمنية الغربية، ما يحوّل العرب والمسلمين إلى خصم دائم في كل أزمة، ويُظهر ضعف النظام الدولي في تطبيق العدالة بشكل متساوٍ.
وفي فلسطين، تكشف سياسة الاحتلال الإسرائيلي عن ازدواجية المعايير بشكل صارخ. عمليات تهجير وقتل وقمع ممنهج واستيطان واسع تحظى بدعم سياسي وإعلامي غربي، مما يجعل الاحتلال مشروعًا “شرعيًا” رغم الانتهاكات المستمرة. في المقابل، تُصنّف المقاومة العربية إرهابًا، بينما يُعتبر الاحتلال حقًا طبيعيًا، ما يبرز النفاق الدولي بشكل واضح.
في أوروبا وأمريكا، توجد أحزاب دينية قومية متطرفة، بعضها يميني، تحرض علنًا ضد العرب والمسلمين وتشارك في الحكومات البرلمانية. هذه الأحزاب تروج لخطاب عنصري وتهجمي، وتطالب بطرد العرب أو منعهم من الاندماج، بينما تحظى بقبول رسمي كجزء من “التعددية السياسية”.
في المقابل، أي حزب عربي إسلامي أو مسيحي يدافع عن الهوية العربية أو الحقوق السياسية يُمنع من العمل بحرية، حتى لو كان سلمياً ويقبل بالدستور والقانون.
العرب، مسلمين ومسيحيين، يشتركون في لغة واحدة وتراث حضاري واحد، وتاريخ مقاومة طويل ضد الاستعمار والهيمنة الخارجية، وقيم اجتماعية مشتركة تؤكد التضامن والمواطنة المشتركة. المعارك ضد العرب اليوم ليست ضد دين أو طائفة فقط، بل ضد العروبة نفسها، وهو ما يجعل أي سياسة استهداف للعرب خطرًا على المسلمين والمسيحيين معًا.
العرب والمسلمون والمسيحيون يمثلون معًا قوة حضارية قادرة على الحفاظ على الهوية واللغة العربية والدفاع عن الأسرة والمجتمع ورفض التطبيع مع الاحتلال وحماية الثروات والسيادة الوطنية. هذه المنظومة القيمية تجعل العرب هدفًا للنظام الدولي وعصابات التطرف المدعومة، لأنها تمثل كتلة صلبة مقاومة للهيمنة.
ويل للعرب من شر قد اقترب، ولكن هذا الشر يكشف أيضًا قدرة العرب على الصمود، لأنه يوضح هشاشة المشروع الغربي في مواجهة الهوية العربية الموحدة، وأهمية الوحدة بين المسلمين والمسيحيين العرب في مواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية، وأن القوة الحضارية والثقافية تبقى السلاح الأقوى ضد كل محاولات الهيمنة والتفتيت. التاريخ يثبت أن العرب، رغم كل المؤامرات والهجمات، قادرون على الصمود وإعادة بناء حضارتهم وثقافتهم وهويتهم. الوحدة العربية والمقاومة الحضارية هي الطريق الأمثل لمواجهة الشر القادم، وتحويل التهديد إلى فرصة لتأكيد الهوية والكرامة








