حين تتحوّل الرياضة إلى مرآة للنفوس المريضة
سوزان أبو بكر
لم تعد كرة القدم مجرد لعبة، بل تحوّلت، في عالمنا العربي خصوصًا، إلى ساحة مفتوحة لتفريغ الشحنات السوداء، ولغة شماتة خبيثة، ومساحة يمارس فيها البعض أحقادهم القديمة المكبوتة على شكل منشورات لاذعة وتعليقات سامة لا تخلو من التشفّي وتمنّي الشر. تنتصر؟ تنهال عليك تهم الغرور ويُقال إنك "مصدّق حالك"، تنهزم؟ يُرفع علم الشماتة وتنتشر النكات ويصفّق البعض بخبث قائلين "يستاهلوا". لا وجود لمشجعين حقيقيين هنا، بل جمهور يتربّص للزلّة، جمهور تربّى على التصفية لا على المنافسة، جمهور يتغذّى على السقوط أكثر مما يحتفل بالصعود. الصفحات الرياضية تحوّلت إلى ساحة قتال، والمنشورات بدل أن تعبّر عن حبّ وانتماء، أصبحت قنابل نفسية موقوتة. والأسوأ من كل ذلك، أن من يشمت بك اليوم، هو نفسه من لا يتمنى لك خيرًا غدًا، ومن يسخر من خسارتك، لن يكلّف نفسه حتى بالسؤال عنك إن وقعت في مصيبة. ثقافة "اللعب النظيف"؟ لا وجود لها. روح رياضية؟ هذه عملة نادرة. دعم بعضنا البعض؟ فقط في الشعارات، أما في الواقع فكلٌّ يطعن الآخر كلما سنحت الفرصة. يا سادة، هذه ليست كرة قدم، بل كرة من الحقد تتدحرج بين الشعوب، تنفجر كلما خسرت دولة أو نادٍ أو منتخب، لتكشف ما في النفوس: حقد دفين، وكره متراكم، وفرح خفيّ بكل سقوط. فهل هي رياضة أم انتقام؟ لعبة أم تصفية حسابات قومية وطائفية وعرقية؟ من المؤسف أن تتحوّل المنافسة إلى كراهية، والتشجيع إلى شماتة، والانتماء إلى سلاح يُشهر في وجه الآخر، لأن منشورات الشماتة لا ترفع شأن فائز، بل تكشف خيبة حاقد.
والمؤلم أكثر، أن هذه الحالة لا تقتصر على الرياضة فحسب، بل تعرّي هشاشة المجتمعات من الداخل، وتفضح أخلاقيات مهزوزة تعيش على فشل الآخرين كي تشعر بوجودها. نحن لا نشجّع فرقنا حبًا بها، بل ننتظر سقوط الآخر لنشعر بنشوة صغيرة تشبه انتقام الضعفاء. إن كانت كرة القدم قد تحوّلت إلى وسيلة لبثّ الكراهية بدل الفرح، فالمشكلة ليست في اللعبة، بل في اللاعبين الحقيقيين خارج الملعب: جمهور يغرق في مستنقع الكره، ولا يعرف أن الرقي في التشجيع هو انعكاس لمستوى التحضّر، لا لعدد الأهداف.








