( الكيان الصهيوني وأزمة الهوية )
الشريط الإخباري :
بقلم/ د.عبد الرحيم جاموس
لقد ثبت منذ القديم أن الأرض تحمل هوية من يستقر عليها، أو يعيش عليها، فنقول هذه بلاد العرب لأنه يستقر عليها ويسكن ويعيش عليها أبناء العرب، كما نقول هذه بلاد فارس، أو بلاد الإغريق، وهكذا ...الخ، فكل بقعة من بقاع الأرض حملت هوية شعب أو أمة استقرت عليها وطورت هويتها وثقافتها على سطحها عبر حقب تاريخية متلاحقة دون إنقطاع بحيث أصبحت تحمل رموز هويتها الثقافية والاجتماعية والسياسية مع مرور الزمن.
إن اقتلاع هوية ما عن سطح بقعة معينة من الأرض، كان يتضمن فعلاً لا أخلاقياً ولا إنسانياً عبر التاريخ، لأن ارتباط الإنسان بالأرض وبالوطن الذي نمت وترعرعت فيه وعليه هويته وشخصيته تعدُ علاقة من أقوى العلاقات التي يجري نسجها بين الإنسان والمكان، وتأخذ طابعاً قدسياً سرمدياً يجسد مفهوم الوطن والمواطنة، بكل ما يعنيه هاذان المصطلحان من معنى، فمن هنا يشتركان في اسم واحد يجسد هذه العلاقة الإندماجية بين الإنسان والمكان، فنقول فرنسا والفرنسيون، وإيطاليا والإيطاليون، وكذلك نقول فلسطين والفلسطينيون ... الخ.
من هنا يتبلور الصراع في فلسطين على الأرض وهويتها، منذ بدأت الحركة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية تحيك خيوط أهدافها الجهنمية في صياغة هوية قومية ليهود العالم على اختلاف انتماءاتهم العرقية في عملية جراحية لا أخلاقية، تراوحت وسائلها ما بين الترهيب والترغيب لمختلف الطوائف اليهودية المتعايشة مع أمم مختلفة على سطح الأرض، لتخلق حالة من التمايز بينها وبين تلك المجتمعات، مبنية على أسس من الاختلاف وزرع بذور الكراهية بين كل ما هو يهودي وغير يهودي، لتكوين هوية ملتبسة وناقصة ومتناقضة مع ذاتها لمجموعة بشرية لا يربطها تراث أو ثقافة أو هوية سوى الإدعاء الديني، واشتراكها في أنها مختلفة مع الآخر، وتسود عندها روح الكراهية له والتميز عنه، بغض النظر عمن يكون هذا الآخر، حتى يسهل أولاً عملية سلخها وفصلها عنه، وثانياً عملية القيام بإعادة تجميعها وتركيبها، في قالب اجتماعي وسياسي وثقافي وسلطوي معقد من جديد، بعيداً عن أسس التطور العادي والطبيعي لأي مجموعة بشرية تفاعلت فيما بينها فوق بقعة من الأرض وتكونت هويتها وهوية تلك البقعة من الأرض عبر حقب متلاحقة من الزمن.
اليوم وبعد مرور أكثر من سبعين عاماً على العدوان الاستيطاني للحركة الصهيونية وحلفائها على فلسطين الأرض والشعب والهوية فلا زال (كيان الاحتلال) يعاني من أزمة الهوية لأنه لم يستطع أن يفك العلاقة المقدسة والسرمدية التي ارتبط بها الفلسطينيون بأرض فلسطين، أو يقضي على هويتهم وتطلعاتهم الوطنية والقومية، فالفلسطينيون لا يعانون من أزمة الهوية كما أن أرض فلسطين لا تعاني من أزمة الهوية أو الانتماء، ولذا تدرك الحركة الصهيونية أن أزمة الهوية لكيانها الإحتلالي قائمة ومستمرة ومتواصلة وباقية، ما بقي الفلسطينيون فوق أرضهم أو حتى فوق جزء منها، من هنا نفهم أسباب مواصلة الكيان الصهيوني لسياساته الجهنمية وغير العقلانية تجاه فلسطين الأرض والإنسان والهوية، في محاولة يائسة لفك هذه العلاقة التي أعطت الإنسان الفلسطيني هويته، كما أعطت الأرض الفلسطينية هويتها الثابتة فلماذا بعد سبعين عاماً على إنشاء كيان الاحتلال الصهيوني فوق أرض فلسطين يسعى لدى الضحية أن تقرر له هويته وأن تعترف بها ؟!!! تلك أول حادثة في التاريخ القديم والحديث أن يتمثل مطلب جماعة بشرية غازية بأن يعترف لها الآخرون بل ضحاياها بهويتها، فالهوية كما أسلفنا ليست قراراً أو اعترافاً من مجموعة بشرية بمجموعة أخرى، إنما هي تجسيد لعلاقة تفاعل سياسي واجتماعي وثقافي وحضاري لمجموعة بشرية مستقرة فوق بقعة معينة من سطح الأرض لحقب تاريخية متواصلة تنتج هوية تلك المجموعة من البشر وهوية تلك البقعة من الأرض، لذلك يمضي كيان الاحتلال الصهيوني في سياسته العدوانية المتصاعدة إتجاه الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية، وسيواصل رفض كافة أشكال التسويات مهما تعددت أصنافها أو مصادرها طالما أن عنصر الهوية الوطنية الفلسطينية فيها ثابت، فهو يرفض بالطبع الحل القائم على أساس الدولة الواحدة فوق إقليم فلسطين، لأن فلسطين لها هوية واحدة هي الهوية الفلسطينية، كما يرفض الحل القائم على أساس الدولتين، لأنه يدرك أيضاً أن هوية الدولة الفلسطينية المفترضة أقوى وأثبت وأقدر على التواصل والتطور من هويته ولا يجري البحث عن هويتها أو انتمائها فهي الهوية السائدة على الإقليم لا محالة، رغم كل عناصر القوة التي يحظى بها كيانه الاستيطاني حالياً، لأن عناصر القوة الغاشمة عجزت من أن تلغي هوية الأرض والإنسان في فلسطين، ومن هنا برز دور كل من العامل الديمغرافي ودور عامل الزمن في الصراع الدائر في فلسطين، وهما يعملان بشكل حثيث بإتجاه غير الذي يريده ويتمناه كيان الاحتلال الصهيوني، وسيكون لهما الدور الفاعل في حسم الصراع آجلاً أم عاجلاً، عنفاً أو سلماً سواء.
إن إقرار الكنيست الصهيوني لقانون القومية (يهودية الدولة) في صيف العام 2018م ما هو إلا التعبير الأوضح عن أزمة هوية هذا الكيان المصطنع، والذي يفتقد لمختلف العناصر المؤسسة للهوية الوطنية والقومية، وينحو به نحواً عنصرياً على أسس دينية وهي ليست محل إتفاق بين عناصره حيث لا يوجد تعريف موحد لما يعنيه (اليهودي)، كما يقوض أسس الدولة المدنية التي يدعي تشييدها.
إن أزمة الهوية التي يعاني منها (الكيان الصهيوني) تعصف به اليوم أكثر من أي يوم مضى وتعد هي الأكثر خطورة على مستقبله وستحدد له مداه الزمني المحدود، أما الشعب الفلسطيني قد أثبت أنه جدير بالحياة وجدير بهويته، التي لم يتنازل عنها يوماً ما، بل قاتل وضحى من أجل اثباتها واستردادها على مدى عقود العدوان، فقد أنهى رحلتي التيه والنسيان وأصبحت هويته ثابتة لا تقبـل التحييد ولا المساومة، وسيواصل حـياته وتفاعـلاته الحضارية الإنسـانية الطبيعية فوق أرضه التي يتمتع بهويتها وتتمتع هي بهويته رغم كل الظروف، وقد تجاوز مرحلة اللاعودة، فالوطنية الفلسطينية ثابتـة في وطنها فلسطين ومتصـاعدة ونامية وغير قابلة للتراجع، فهل تدرك القوى الفاعلة في إدامة الصراع هذه الحقيقة التاريخية والاجتماعية والسـياسية والحضارية من حقـائق الصراع العربي الإسرائيلي والتي ستحدد مستقبله ومآله لا محالة ؟!
عليها أن تعمل على إنهاء هذا الصراع والعدوان، من خلال تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الطبيعي والمشروع في وطنه في العودة والحرية والمساواة وتقرير المصير؟!.
د. عبدالرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 9 ديسمبر ٢٠١٩م
بقلم/ د.عبد الرحيم جاموس
لقد ثبت منذ القديم أن الأرض تحمل هوية من يستقر عليها، أو يعيش عليها، فنقول هذه بلاد العرب لأنه يستقر عليها ويسكن ويعيش عليها أبناء العرب، كما نقول هذه بلاد فارس، أو بلاد الإغريق، وهكذا ...الخ، فكل بقعة من بقاع الأرض حملت هوية شعب أو أمة استقرت عليها وطورت هويتها وثقافتها على سطحها عبر حقب تاريخية متلاحقة دون إنقطاع بحيث أصبحت تحمل رموز هويتها الثقافية والاجتماعية والسياسية مع مرور الزمن.
إن اقتلاع هوية ما عن سطح بقعة معينة من الأرض، كان يتضمن فعلاً لا أخلاقياً ولا إنسانياً عبر التاريخ، لأن ارتباط الإنسان بالأرض وبالوطن الذي نمت وترعرعت فيه وعليه هويته وشخصيته تعدُ علاقة من أقوى العلاقات التي يجري نسجها بين الإنسان والمكان، وتأخذ طابعاً قدسياً سرمدياً يجسد مفهوم الوطن والمواطنة، بكل ما يعنيه هاذان المصطلحان من معنى، فمن هنا يشتركان في اسم واحد يجسد هذه العلاقة الإندماجية بين الإنسان والمكان، فنقول فرنسا والفرنسيون، وإيطاليا والإيطاليون، وكذلك نقول فلسطين والفلسطينيون ... الخ.
من هنا يتبلور الصراع في فلسطين على الأرض وهويتها، منذ بدأت الحركة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية تحيك خيوط أهدافها الجهنمية في صياغة هوية قومية ليهود العالم على اختلاف انتماءاتهم العرقية في عملية جراحية لا أخلاقية، تراوحت وسائلها ما بين الترهيب والترغيب لمختلف الطوائف اليهودية المتعايشة مع أمم مختلفة على سطح الأرض، لتخلق حالة من التمايز بينها وبين تلك المجتمعات، مبنية على أسس من الاختلاف وزرع بذور الكراهية بين كل ما هو يهودي وغير يهودي، لتكوين هوية ملتبسة وناقصة ومتناقضة مع ذاتها لمجموعة بشرية لا يربطها تراث أو ثقافة أو هوية سوى الإدعاء الديني، واشتراكها في أنها مختلفة مع الآخر، وتسود عندها روح الكراهية له والتميز عنه، بغض النظر عمن يكون هذا الآخر، حتى يسهل أولاً عملية سلخها وفصلها عنه، وثانياً عملية القيام بإعادة تجميعها وتركيبها، في قالب اجتماعي وسياسي وثقافي وسلطوي معقد من جديد، بعيداً عن أسس التطور العادي والطبيعي لأي مجموعة بشرية تفاعلت فيما بينها فوق بقعة من الأرض وتكونت هويتها وهوية تلك البقعة من الأرض عبر حقب متلاحقة من الزمن.
اليوم وبعد مرور أكثر من سبعين عاماً على العدوان الاستيطاني للحركة الصهيونية وحلفائها على فلسطين الأرض والشعب والهوية فلا زال (كيان الاحتلال) يعاني من أزمة الهوية لأنه لم يستطع أن يفك العلاقة المقدسة والسرمدية التي ارتبط بها الفلسطينيون بأرض فلسطين، أو يقضي على هويتهم وتطلعاتهم الوطنية والقومية، فالفلسطينيون لا يعانون من أزمة الهوية كما أن أرض فلسطين لا تعاني من أزمة الهوية أو الانتماء، ولذا تدرك الحركة الصهيونية أن أزمة الهوية لكيانها الإحتلالي قائمة ومستمرة ومتواصلة وباقية، ما بقي الفلسطينيون فوق أرضهم أو حتى فوق جزء منها، من هنا نفهم أسباب مواصلة الكيان الصهيوني لسياساته الجهنمية وغير العقلانية تجاه فلسطين الأرض والإنسان والهوية، في محاولة يائسة لفك هذه العلاقة التي أعطت الإنسان الفلسطيني هويته، كما أعطت الأرض الفلسطينية هويتها الثابتة فلماذا بعد سبعين عاماً على إنشاء كيان الاحتلال الصهيوني فوق أرض فلسطين يسعى لدى الضحية أن تقرر له هويته وأن تعترف بها ؟!!! تلك أول حادثة في التاريخ القديم والحديث أن يتمثل مطلب جماعة بشرية غازية بأن يعترف لها الآخرون بل ضحاياها بهويتها، فالهوية كما أسلفنا ليست قراراً أو اعترافاً من مجموعة بشرية بمجموعة أخرى، إنما هي تجسيد لعلاقة تفاعل سياسي واجتماعي وثقافي وحضاري لمجموعة بشرية مستقرة فوق بقعة معينة من سطح الأرض لحقب تاريخية متواصلة تنتج هوية تلك المجموعة من البشر وهوية تلك البقعة من الأرض، لذلك يمضي كيان الاحتلال الصهيوني في سياسته العدوانية المتصاعدة إتجاه الشعب الفلسطيني وهويته الوطنية، وسيواصل رفض كافة أشكال التسويات مهما تعددت أصنافها أو مصادرها طالما أن عنصر الهوية الوطنية الفلسطينية فيها ثابت، فهو يرفض بالطبع الحل القائم على أساس الدولة الواحدة فوق إقليم فلسطين، لأن فلسطين لها هوية واحدة هي الهوية الفلسطينية، كما يرفض الحل القائم على أساس الدولتين، لأنه يدرك أيضاً أن هوية الدولة الفلسطينية المفترضة أقوى وأثبت وأقدر على التواصل والتطور من هويته ولا يجري البحث عن هويتها أو انتمائها فهي الهوية السائدة على الإقليم لا محالة، رغم كل عناصر القوة التي يحظى بها كيانه الاستيطاني حالياً، لأن عناصر القوة الغاشمة عجزت من أن تلغي هوية الأرض والإنسان في فلسطين، ومن هنا برز دور كل من العامل الديمغرافي ودور عامل الزمن في الصراع الدائر في فلسطين، وهما يعملان بشكل حثيث بإتجاه غير الذي يريده ويتمناه كيان الاحتلال الصهيوني، وسيكون لهما الدور الفاعل في حسم الصراع آجلاً أم عاجلاً، عنفاً أو سلماً سواء.
إن إقرار الكنيست الصهيوني لقانون القومية (يهودية الدولة) في صيف العام 2018م ما هو إلا التعبير الأوضح عن أزمة هوية هذا الكيان المصطنع، والذي يفتقد لمختلف العناصر المؤسسة للهوية الوطنية والقومية، وينحو به نحواً عنصرياً على أسس دينية وهي ليست محل إتفاق بين عناصره حيث لا يوجد تعريف موحد لما يعنيه (اليهودي)، كما يقوض أسس الدولة المدنية التي يدعي تشييدها.
إن أزمة الهوية التي يعاني منها (الكيان الصهيوني) تعصف به اليوم أكثر من أي يوم مضى وتعد هي الأكثر خطورة على مستقبله وستحدد له مداه الزمني المحدود، أما الشعب الفلسطيني قد أثبت أنه جدير بالحياة وجدير بهويته، التي لم يتنازل عنها يوماً ما، بل قاتل وضحى من أجل اثباتها واستردادها على مدى عقود العدوان، فقد أنهى رحلتي التيه والنسيان وأصبحت هويته ثابتة لا تقبـل التحييد ولا المساومة، وسيواصل حـياته وتفاعـلاته الحضارية الإنسـانية الطبيعية فوق أرضه التي يتمتع بهويتها وتتمتع هي بهويته رغم كل الظروف، وقد تجاوز مرحلة اللاعودة، فالوطنية الفلسطينية ثابتـة في وطنها فلسطين ومتصـاعدة ونامية وغير قابلة للتراجع، فهل تدرك القوى الفاعلة في إدامة الصراع هذه الحقيقة التاريخية والاجتماعية والسـياسية والحضارية من حقـائق الصراع العربي الإسرائيلي والتي ستحدد مستقبله ومآله لا محالة ؟!
عليها أن تعمل على إنهاء هذا الصراع والعدوان، من خلال تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الطبيعي والمشروع في وطنه في العودة والحرية والمساواة وتقرير المصير؟!.
د. عبدالرحيم جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 9 ديسمبر ٢٠١٩م