الدولة الفلسطينية العميقة
الشريط الإخباري :
بقلم : ميساء ابو زيدان
لا زالت الأزمات تتفاقم في دول العالم بفعل الوباء المنتشر المسمى بالـ (كورونا)، وباتت البشرية في مواجهة هذا التحدي الأصعب الذي تسبب بخسائر فادحة ومؤلمة بذات الوقت إذ أن هذا الفيروس أزهق إلى الآن عشرات الآلاف من الأرواح ليضع حكومات البلدان كافة أمام موقفٍ هو الأخطر في التاريخ الحديث كونه وبظل الحداثة والتقدم يضرب وبلا هوادة شعوب الأرض متجاوِزاً لإرادة وقرار عظيم الدول والقوى.
وبغض النظر عن الفرضيات التي تشير لكونها أزمة مفتعلة وأن الفيروس مُصنع، فإن الحقيقة الثابتة هنا هي أن هذا الوباء يفتك بالدول والشعوب والأجناس والأعراق كافة دون أن يمنح لأيّ منها فرصة المُفاضلة أو النجاة بفعل الإختلاف فالكل تساوى أمام جبروت هذا الكائن. لكن المختلف في هذه الحرب هو كيفية مواجهة هذا الفيروس المُغير حيث الإجراءات والسياسات والقرارات تتفاوت بين دولةٍ وأخرى الأمر الذي حدّد حجم الخسائر وانعكاساتها، وما تجلّى بهذا الشأن هو التفاوت بمدى القدرة التي مايزت بين الدول في إدارة الأزمة لمواجهة هذه الجائحة بل أن الأمر تطور ليكشف جوهر ومعايير العلاقات والمنظومة الدولية القائمة.
ولعلّ الحقيقة التي علينا أن نقرّ بها اليوم هو المقدرة الفلسطينية التي تجلّت في إدارة الأزمة للحد من وتيرة تفشي الوباء، حيث واجهت هذا التحدي بالآلية التي وصفها الجميع داخلياً وخارجياً حين أُقِرّت بالأمر المبالغ فيه، إلا أن هذه الآلية (المبالغ فيها) ومجموع القرارات والإجراءات المُتّخَذَة من قِبل قيادة الدولة الفلسطينية أتت لتبرهن من جديد على مقدرة الفلسطيني العالية رغم استحالة الظرف الذي أحاط به أثناء التعاطي مع الموقف لِتُجنِّبه من جديد ويلاتٍ إضافية.
إن هذه المقدرة التي يسطرها الفلسطيني اليوم بالرغم من طبيعة التحدي المزدوج الوجه الذي يجابهه حيث الوباء والاحتلال المتحدان باستهدافٍ بشع للإنسان، تتجسد من خلال الأداء الذي تميزت به المؤسسات الفلسطينية مجتمعةً إلى جانب الإلتزام والوعي الذي أبداه الفلسطينيّون رغم ما يجهدونه لمواجهة الوباء فلا الإمكانات متوفرة أو متاحة لهم كسائر دول العالم ولا الواقع السياسي يتيح لهم استثمار مقدّراتهم التي تتحكم بها قوة الاحتلال الذي يسعى ليل نهار لإحداث الثغرات في الجدار الفلسطيني لَمُضاعفة التحديات المحدقة بهم. لنجد أننا أمام الدولة الفلسطينية العميقة حيث تكاملت الأدوار بين مؤسساتها على اختلاف تخصصاتها والتي استندت إلى سلطة القانون بعيداً عن الاستعراض أو إحداث الضجيج فالهاجس الأول هو أمن المواطن وسلامته، هذه المؤسسات التي تُبنى بإرادة متفانية بهدف حماية الإنسان ووجوده بالتوازي مع وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه القضية العادلة.
دولة المؤسسات العميقة هي ذات الإستراتيجية التي لطالما حرص الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) على تحقيقها وبأن بناء المؤسسات رغم التحديات الجسام هي اللبنة الأولى التي عليها يجب أن تقوم الدولة الفلسطينية. الأمر الذي قوبِل في كثيرٍ من الأحيان بنظرة الشك تجاه صوابيتها بل وبازدراء جهاتٍ عديدة كانت حجتها مدى الحاجة لبناء المؤسسات بظل الاحتلال! لتأتي جائحة الكورونا وتجيبهم من خلال الحكمة التي امتازت بها القيادة الفلسطينية أثناء التعاطي مع الموقف، بل أن العديد في دولة الاحتلال جاهروا قياداتهم وأشادوا بما أبدته القيادة الفلسطينية عبر إدارتها للأزمة. الأهم هنا وبخضم هذه المعركة هو أن يتابع الفلسطينيّون ما سينتج من معادلات ونظام دولي جديد فور انتصار الإنسانية على هذه الجائحة التي وضعت شعوب العالم أمام ضرورة صياغة وعيّ جديد وعقد التحالفات بمعايير ونظم مغايرة لتلك التي أتت على حساب الإنسانية بظل الحرب القائمة ضد الكورونا. لاستثمار المناخ العالمي الجديد بهدف إنهاء الإحتلال الذي لا يزال ورغم هذه الأزمة التي تعصف بالعالم أجمع يتغول بطشاً وعنصريةً من خلال سياساته اللاإنسانية وجرائم عصاباته المتمركزة في مستمعراتٍ هي في حقيقتها بؤرٍ لوباء الحقد والتطرف.