فراس الطيراوي يكتب .. في الذكرى السنوية الاولى لرحيل والدي طيب الله ثراه ..
الشريط الإخباري :
بقلم : فراس الطيراوي عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والراي والاعلام/ شيكاغو
عامٌ مضى بسرعةِ البرق؛لكنه كان دهراً من الحزن والألمِ والفراقِ والشوقِ والحنين. وبدأ عام آخر والجرحُ مازال ينزف يا والدي ، لاول مرة نشعر بالوحدة وآلم الفراق ، لكن رغم ذلك، فانت حيٌّ في ضمائرنا، ونابضٌ في قلوبنا، وباقٍ في وجداننا حتى نلتقي ثانيةً. حقا ليس هناك أقسى على النفس من رؤية الوالد او اي عزيز مُسجَّى بلا حِراك، تراه و تنظر إليه للمرة الأخيرة ولا تكاد تُصدِّق ما ترى، هَمَمْتُ مِراراً أن أسأل كل من يَمُرُّ بجانبي في ذلك اليوم الأسود .. أحقاً مات أبي؟ أحقاً رحل ولن يعود؟ فرحيل الأب صعب وفقد لا يعوض، الا باليقين والرجوع الى الله سبحانه وتعالى والتسليم التام بقضائه وقدره ، انا لله وانا اليه راجعون.
ودَّعناك يا والدي، وأبدلنا الله بجميل ذِكرك، وبياض سيرتك، ودَّعناك ولم نودع مآثرك وخصالك الكريمة، كنت نعم الأب ذو الأخلاق العالية، ونعم الرجال الأوفياء الصادقين الكرماء، مساعدًا للقريب والغريب، دون مقابل إذ يشهد على ذلك أقربائك، و أصدقائك، ومعارفك والتاريخ أيضاً . نعاهدك يا من أصبحت بين يدي الخــــــالق عز وجل أن نسير على دربك ومنهجك في عمل الخير ومساعدة الجميع ، فيقيناً لا أحد يشعر بقيمة الشيء إلا إذا إفتقده ، فلا أحد يعلم مدى ألم الفراق .. إلا من فقد والده.. فكم نفتقدك يا صاحب القلب الكبير .. واليد الحانية .. فلا حب يعوض حبك .. ولا قلب بوسع قلبك .. ولا كلمة أبي تعوضها أي كلمة في الدنيا .. فكل صباح تشرق فيه الشمس يتجدد حزننا على فقدك وفراقك يا أعز الرجال .. ونتواصل معك بالدعاء .. بأن لا يحرمنا الله لقياك في جنة الفردوس .. عزائنا أنك أقبلتَ على مولاك بوجه مضيء، رافعاً سبابتك مُوحِّداً. عزائنا أنك أقبلتَ على من هو أرحم منَّا وأكرم منَّا، وأنك انتقلت من دار الفناء والبلاء إلى دار المستقر والبقاء مع النبين والشهداء والصديقين وحسن اولئك رفيقا.. عزائنا يا أبي هو حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته، قالوا: يا رسول الله! وكيف يستعمله؟ قال: يُوفِّقه لعملٍ صالح، ثم يقبضه عليه) رواه أحمد وصحَّحه الألباني.
وفي الختام : لا أملك في هذا المقام إلا الدعوات لروحك الطاهرة دعاءً مستمراً سرمدياً.
ومضة ذاتية عن والدي
ولد احمد ديب عطيه في فلسطين عام ١٩٤٠ ، فقد بصره ولم يفقد بصيرته، عندما كان في العاشرة من عمره ، رغم ذلك اكمل تحصيله العلمي ،وكان من العشرة الأوائل في الضفتين فحصل على بعثة وتخرج من جامعة دمشق / كلية الحقوق، وعاد بعدها الى فلسطين واخذ شهادة المزاولة بعد ان تدرب في مكتب الاستاذ حمدي عبد المجيد نقيب المحامين في تلك الفترة، وانضم الى نقابة المحامين الاردنيين ، ولكن بعد ذلك دعت منظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد المحامين في الضفة الغربية الى الاضراب، وعدم دخول المحاكم الصهيونية، والترافع امامها لانها تمثل الاحتلال وليس لها اي شرعية ، فالتزم بذلك 250 محامي بهذا الاضراب في تلك الفترة ولم يدخلوا اي محكمة صهيونية قط، وكان والدي من الداعين والمؤسسين لهذا الاضراب هو ومجموعة من المحامين في فلسطين وعلى راسهم المناضل الاستاذ كريم خلف طيب الله ثراه ، وكانوا يتقاضون رواتبهم من نقابة المحامين الاردنيين حتى عام ١٩٨٨، وبعد فك الارتباط بين الضفتين، بناءً على طلب القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، حولت رواتبهم على منظمة التحرير، ولكن تقاعدهم بقي على نقابة المحامين الاردنيين ، وبقي ملتزما بهذا الاضراب حتى رحيله الى جنات الخلد، وقبل رحيله بعام تبرع بقطعة ارض في بلدة الطيرة مسقط رأسه اقيم عليها عيادة طبية.