عوض الملاحمه يكتب .. (( لو دامت لغيرك ما آلت اليك )) .. فلا تَتعسفوا ولا تَتجبروا في الناس

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
عوض ضيف الله الملاحمه

دَولتنا ، ما شاء الله ، يَنطبق على أدائها المثل الشعبي القائل : (( نَامَتْ لَيْلُها الطويل ، وصَبّْحَتْ مِسْتَعِجْلِهْ )) . عقودٌ طويلة جداً من الفساد ، الذي ساد ، وإنتشر ، حتى أصبح عُرفاً ، تعوّد عليه كل العِباد ، في البلاد ، لدرجة انه كان يُمارس بالعَلن ، وتحت مَسمع ومرأى كل الحكومات الاردنية مُنذ ما يزيد عن نصف قرنٍ من الزمان ، والمُسْتَتِر منه جزء يَسير يُغض الطرف عنه ، رغم العِلم بوجوده . وفجأة ، ودون سابق إنذار ، وبلا هوادة وإشعار ، إستيقظت حكومتنا من غفلتها ، وودت ان تُصلح خراباً ، بين عشية وضحاها ، بعد ان تجذّر ، وتمأسس ، مُستخدمة الترهيب ، بالقوة المرعبة ، وكأن المُتهرب ضريبياً مُهرب مُخدرات او  داعشي الانتماء ، ويَنوي الإقدام على عمل تخريبي خطير فيحاولون استباق الامور قبل وقوع الكارثة .
طَبعاً ، المُقدمة لا تعني بالمطلق انني ضد تحصيل كل اموال الخزينة العامة من كل مُتهرب بالفلس . بل انني أُبارك هذا الاجراء ، وأدعمه  بالمُطلق ، لأسباب عديدة ، منها : أنني اعتبر التهرب الضريبي فساد وحرام  ، يَضر بالوطن ومُقدراته ، كما انني أعتبر المُتهرب ضريبياً فاسداً ، وان كل من ساعده  او شاركه ، او سهّل له المهمة هو شريك في الفعل . 

وللتحديد ، إعتراضي الشديد على آليات التنفيذ ، العنجهية ، الفَجة ، المُرعبة ، الإنتقامية ، التشهيرية . ما الداعي للمداهمات الأمنية !؟ والجيبات العسكرية السوداء مُرعبة الشكل ، ورجال الامن المُدججون بسلاح وذخائر تكفي لفتح جبهة مع عدو شرس متربص ارهابي دموي قاتل !؟ ما هذه القوة المُدججة بكل انواع الاسلحة .

تحصيل الضرائب المستحقة على المُكلفين يتم  بطريقتين لا ثالث لهما : الأولى : ان يكون صاحب رأس المال او صاحب النشاط التجاري ، رجلاً ملتزماً ، محترماً ، يكره الإثراء بالحرام ، فيؤدي ما عليه من ضرائب لخزينة الدولة  طائعاً مختاراً باحترام ونزاهة معبراً بذلك عن انتماءه الحقيقي  لوطنه ، والثانية : تتضمن الآلية المُثلى للتعامل مع المخالفين ، الذين يتجرأون على نهب ما يستحق عليهم لخزينة الدولة ، ويتمثل ذلك بآلية واحدة عنوانها ( التسويات الضريبية  ) لتحصيل ما إستحق على المتهرب ، ولم يؤدهِ طوعاً . والالية لإنفاذ ذلك ، تعتمد على معلومات ، او مقارنات ، وخلافه ، ويُطلب من المتهرب ضريبياً ان يُقدم ما لديه من مستندات ووثائق تُعزز ارقامه التي قدمها للضريبة ، ولو تبدى للضريبة انه متهرباً ، عندها يتفحص كادر الضريبة الوثائق المقدمة ، ويتلمسون اماكن الخلل ، ويقارنون ما قُدم لهم ، مع ما لديهم ، وربما يضطرون للقيام بزيارة مفاجئة ( وليس مداهمة أمنية ) لوضع اليد على كل المستندات والمعلومات في مكاتب المنشأة ، وفي النهاية ، يبدأ التطبيق الفعلي لعملية التسوية ، واذا لم يتم الاتفاق ، يتم تحويل ملف المتهرب ضريبياً الى القضاء . وفي النهاية انتم الدولة ، وسيف الدولة سَاطي وبتّار ، ويمكن التضييق على المتهرب بوسائل شتى كعدم تجديد تراخيص منشأة المتهرب  ، ايقاف كل الخدمات الحكومية ، الى ان تصل الى اغلاق المنشأة ، وايداع مالكها في السجن . ويتم  اتباع هذه الخطوات المتدرجة في حِدتها وشِدتها الى ان يتم تحصيل اموال الخزينة من المتهرب . اعرف بعض الشيء عن الآليات التي تتبعها إمارات زايد الخير الحبيبة ، فعند مخالفة اية منشأة مثلاً بعدم تحويل رواتب الموظفين في موعدها الكترونياً ، يتم حجب كل الخدمات عنها الكترونياً ، مما يسبب شللاً كلياً لنشاطها ، ولا يُرفع الحظر الا بعد اجراء التسوية حسب الأصول ، كما ان هناك مخالفات مالية متصاعدة وموجعة تفرض على المخالفين .

وعليه ، لماذا يتم اللجوء للترهيب ، والتخويف ، والرعب !؟ ولماذا اتباع هذا الاسلوب البوليسي المقتبس من افلام الفريد هيتشكوك المرعبة !؟ الا يُهرِّب هذا الرعب المستثمرين الموجودين في الوطن !؟ الا يطرد هذا الاسلوب الفج العنيف المتغطرس الاستثمار من  البلد !؟ 

الفساد شاع ، وعمّ وساد وتمأسس واصبح التهرب منه فناً وعرفاً . الا تعلمون بان اغلب مكاتب تدقيق الحسابات درجت على اصدار ميزانيتين ، الاولى : حقيقية ودقيقة ومحسوبة بالفلس لصاحب المنشأة ، والثانية : صورية مجتزأ جزء كبير من الربح الذي تحقق ، وربما يصل الامر عند بعضهم ان يحوّل الربح الى خسارة  .  

لو ان هناك حكومة مسؤوليها يتصرفون  بمستوى رجال دولة ولا يعشقون الاستعراض لتسويق انفسهم ، واظهار انتمائهم الزائف ، لانتهجوا نهجاً مغايراً تماماً لما يحصل . كان على الحكومة الاردنية  ، لو كانت حصيفة ، رشيدة ، ورجالالتها بمستوى رجال دولة ، لأعلنت عن التغييرات ، والهيكلة التي استجدت على آليات تحصيل  الضريبة ، واعطت مُهلة غير قابلة للتجديد للشركات  لتصويب اوضاعها الضريبية ، ومن لا يصوب وضعه الضريبي ستُفرض عليه غرامات موجعة ، ومن لا يلتزم ولا يمتثل سيتم تحويل ملفه الى القضاء . 

لكن ما حصل ، من استعراض للقوة ، وتشهير ، وتسريب لبيانات وارقام ومعلومات أضرت برجال اعمال ، ولم تُفد الدولة الاردنية شيئاً . مما يضر باستقطاب الاستثمارات الاجنبية ، التي لن تاتِ الا ممن يبحث عن جواز سفر واقامة يؤنس بها بعيداً عن ويلات وطنه المنكوب . لان الهدوء والاتزان والعقلانية والبعد عن استخدام الرعب والتشهير سوف يحفز ويشجع على استقطاب الاستثمار الاجنبي . لكن يبدو ان القائمين على هذه المسؤولية من المغرمين لا بل المدمنين لافلام جيمس بوند ، فأضروا بالوطن ولم ينفعوه . وحتى اذا اقتضت الضرورة ، فلماذا لا يُكتفى بشرطي او اثنين لمرافقة مندوبي الضريبة !؟ ومن الضروري ان أسأل سؤالاً هاماً : هل واجهتم اي مقاومة او عنف اثناء المداهمات التي قمتم بها !؟ انا واثق تماماً انهم لم يتعرضوا ولو لكلمة تجريح  . 

من انت ايها المسؤول حتى تسمح لنفسك بالتجبر   على الناس واذلالهم ،  من انت لولا قوة القانون !؟

سَتَترك موقعك يوماً ما وستحتاج لان يتفهم مطلبك مسؤول غيرك وتتمنى يُسره وتَفهمه .  وهذا يذكرني بأيام المرحوم المهيب / احمد حسن البكر ، عندما كان رئيساً للعراق ، كان يُطلب من كل مسؤول في الدولة العراقية ان يضع لوحة صغيرة على مكتبه ، مكتوب عليها (( لو دامت لغيرك ما آلت اليك )) . فلا تَتعسف ولا تَتجبر على الناس ، ولِتعلم إن كنت تظن نفسك كبيراً فإن الله اكبر . 

وبما ان الخطأ في الإجراء قد وَقع ، ولا مجال لإعادة الامور لما قبله ، وبما ان الظُلم اذا ساد اصبح عدلاً ، أود ان أسأل : هل هذا الاجراءات البوليسية ، وتسريبات الوثائق التي غايتها الإساءة والتشويه ، هل ستطال كل المُتهربين ضريبياً والفاسدين الآخرين الذي باعوا ونهبوا كل مقدرات الوطن ، وهم كُثر !؟ أم أنها إنتقائية لغاية ما في نِفس يعقوب !؟
 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences