من بلاط الشاه إلى سجون الثورة

{clean_title}
الشريط الإخباري :  


كان هذا عنواناً لكتاب عالم الاجتماع الإيراني المعروف إحسان نراغي. دون في نصف هذا الكتاب ثمان جلسات مع الشاه قبل سقوطه وفي النصف الأخر دون فيه تجربته في سجون الثورة.
كانت جلساته مع الشاه في أوج الثورة تحمل الكثير من العبر والتشويق. تتجلى فيه عقلية الطغاة وانفصالهم عن واقع شعوبهم. كحال فرعون لم يستوعب الا بعد أن  أدركه الغرق. 

مسائل خطيرة كانت في ثنايا نقاش المؤلف مع الشاه. حول أسباب الثورة المتعلقة في فساد الأسرة الحاكمة وعبثها باقتصاد البلد ومحاربة الإصلاحات وتشديد القبضة الأمنية وكبت الحريات.وإشاعة الفساد الأخلاقي في المجتمع.
ومن ضمن هذه الأسباب أيضا انفتاح الشاه على الغرب وانبهاره بثقافته وسعيه نحو تغريب المجتمع الإيراني وفرض هذا التغريب من خلال قمع رجال الدين "آيات الله" وإطلاق يد التغريبيين من مفكرين وفنانين وكتاب وإعلاميين لإفساد المجتمع.

كان الشاه كثير البذخ يتصرف في أموال الدولة كأنها أمواله الخاصة. وتجلت هذه التصرفات حين اقام حفل تتويجه المبالغ فيه. حتى ان الصحف العالمية تطرقت لهذا البذخ اكثر من تغطيتها للحفل نفسه!
من الأسباب التي جعلت الشاه يتعلق بأمريكا ويتوكل عليها كل التوكل عندما اعادته إلى الحكم المطلق بعد إسقاط حكومة مصدق الوطنية. حينها اطلق الشاه يد امريكا في إيران. تولت امريكا عبر CIA تدريب السافاك وتطوير عملها الاستخباراتي.

شعر الشاه انه حليف امريكا الذي لا يمكن ان تفرط فيه. وأخذه هذا الشعور نحو الغرور والاستبداد وكان يعقد صفقات الأسلحة الباهضة وضاعف ميزانية التسليح لصالح أمريكا. وسمح ببناء المزيد من القواعد الأمريكية مع منحهم مزايا خاصة.
كان أقصى آمال رجال الدين المحافظة على امتيازاتهم من خلال سلطتهم الدينية في المجتمع. مقابل دعم الشاه "الملك" وترك السياسة له. وكان هذا تقليداً متبعاً في سياسة والد الشاه السابق. ولكن الشاه الابن لم "يفهم" هذه المعادلة!

كان تحالف رجال الدين مع النظام السياسي المستبد تقليداً متبعاً في إدارة الدول في العالم الثالث ولازال ولا يمكن للحاكم ان يستمر في استبداده دون هذا التحالف المقدس وكان الشاه يريد التفرد والاستبداد دون مراعاة لهذا التقليد.
بدأ رجال الدين بعد ان رأوا  الإهانات والاعتقالات بالعمل على نزع الولاء للشاه وأسرته. فبدأت الدروس والمحاضرات السرية والعلنية والتصريح والتلميح على عدم شرعية نظام الشاه. والأهم من ذلك عمل نظام تكافلي في المجتمع خارج إطار الدولة.

كان هناك دستور ينظم العلاقة بين الشعب والشاه. لكن الشاه لم يكن يحترم الدستور رغم ادعائه المتكرر باحترامه. وكان الشعب والمعارضة يدينون بالولاء للشاه والأسرة الحاكمة الا ان الأسرة لم تحافظ على هذا الولاء بعدم احترامهم للدستور.

وعندما احتدمت الثورة أخذ الشاه يرسل وفوده إلى آية الله الخميني المقيم في فرنسا لتهدئة الثورة وقطع الوعود بإحترام الدستور وعدم المساس به. والقيام بالإصلاحات السياسية التي يريدها الثوار.
تفاجأت الوفود بصلابة موقف الخميني وإصراره على إيران جديدة بدون الشاه وأسرته واقامة نظام جمهوري وكان هذا الإصرار ملهماً للثورة والثبات عليها.

في احدى المظاهرات الضخمة في طهران سأل الشاه، كما الجنرال ديغول في سنة ١٩٦٨ "لكن أين هم أنصاري؟" فكان الجواب "في الشانزلزيه أيها الجنرال" كان القصد بهذه الطرفة ان يجاب الشاه بالجواب نفسه "في الشانزلزيه يا صاحب الجلالة" تلميحاً إلى ان أنصاره كلهم في الخارج في فرنسا وأمريكا.
لم يكن زين العابدين الرئيس التونسي الأسبق اول من اطلق عبارة "أنا فهمتكم" بل رددها الشاه في احدى جلساته أمام عالم الاجتماع إحسان نراغي.

سقط الشاه تحت هتافات التكبير وزال ملك أسرته دون ان يحزن عليه احد الا شرذمة ممن كانوا ينهبون ثروات الشعب تحت سلطته وحمايته وكانت صدمته كبيرة حين رُفض طلبه للجوء إلى امريكا.
كان هذا خلاصة ثمان جلسات لإحسان نراغي مع الشاه المخلوع وفي الكتاب اكثر تشويقاً من هذه السلسلة ليبدأ بعدها تجربته في سجون الثورة.


محمد المطر 
@malmatarq
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences