ميساء أبو زيدان تكتب .. قاطعة طريقنا للحرية .. باتت بنادقهم
الشريط الإخباري :
بقلم: ميساء أبو زيدان.
حنان زلوم طفلة ذات الأربعة أعوامٍ فقط نالت منها بالأمس ومن عيونها السوداء وشعرها المخملي رصاصة طائشة إثر شجارٍ وقع بحي سلوان في القدس فقتلتها وسلبت ذويها السلام، كما العديد من الحوادث التي شهدتها المدينة المقدسة وعدة مدن فلسطينية مؤخراً ذهب ضحيتها الأبرياء مِن الأطفال والشباب. رحلت حنان بعد يومين فقط من رحيل الشاب خليل الشيخ الذي ارتقى بذات الرصاص وبذات الأيدي التي تحتكم لذات البنادق المُعبأة جهلاً وحقداً وعبثاً لينال أيضاً من خليل الذي لم ألتقيه شخصياً لكنني التقيته عبرآلام محبيه وأصدقائه وكل مَنْ عرفه عن قرب؛ التقيته كما الآخرين عبر محيّاه الذي أشرق طيبةً ودماثة في صوره التي تناقلتها وسائل الإعلام.
دائماً ما نتابع الأخبار لنستوضح طبيعة الأحداث الطارئة ونتنقل بين كافة الوسائل الإعلامية لِتبيان تفاعلاتها ومردودها بشكلٍ عام وخاص، هذا ما عاشته مدينة رام الله مساء الأربعاء الماضي فور سلّم الشاب خليل الروح لبارئها بِفعل رصاصةٍ استقرت في جسده وسط شجار بين عائلتين استُخدم فيه السلاح، وخيّمت أجواء الصدمة والتوتر والترقب لما يمكن أن تؤول له الأحداث فور هذا المُصاب الجلل حيث فقدت إحدى أكبر عائلات المدينة ابنها الذي كان يحاول إصلاحاً بين الطرفين ولكنه لم يكن أي ابنٍ فهو المحبوب لدى الجميع الذي يشهد له ولوطنيته، هنا تعاظمت المصيبة فعهد المناضلين دوماً أن يرتقوا برصاص العدو لا أبناء شعبهم الذين لأجلهم ينذروا أعمارهم وحيواتهم، هو ذات القهر الذي عبّر عنه شقيقه حينما قال "كنا نتمنى أن تكون الرصاصة التي أصابت خليل هي رصاصة الاحتلال" إذ أن مشاعر الطمأنينة والفخر التي تتملكنا عندما ندقق في صورة العزيز الذي ارتقى شهيداً بفعل رصاص الاحتلال تتحول لحسراتٍ وأسف عندما يكون قد رحل بفعل رصاصاتٍ عبثية !
نتناقل الأخبار لمتابعة مثل تلك الحوادث (نعم)، نشعر بالغضب وغصاتٍ تصيبنا لأجل ما يحدث ونحن في خضم المآسي التي نتجرعها يومياً بِفِعل جرائم هذا الإحتلال (نعم)، لكن الموقف يتبدّل كلياً عندما تتبدل الأدوار ونصبح بِمكان الضحيّة أو ذويه الحال الذي تزداد فرصه بِحُكم تواتُر مثل تِلك الأحداث والانتشار المُريب للسلاح بحيث غدى ظاهرةً تقضُّ مضجع الشعب الفلسطيني إذ أنها غريبةٌ عليه ولا تنسجم والحالة النضالية التي يسطّرها. عديدةٌ هي المشاهد المرتبطة بهذه الظاهرة والتي يمكن لنا أن نصنفها ضمن مساراتٍ ثلاث الأول منها متصل بتنظيمات تَعْتَبِر مُكَوّنَها أهم من الكُل الفلسطيني بل توازيه بالمطلق، ثانيها العشائر ومجموعات منظّمة، ثالثها أفراداً يحظون بمراكز قوى مختلفة المشارب والتوجهات؛ الغريب أن مجمل السلاح المُحتكِم لتلك الظاهرة مسموحٌ بامتلاكه بالنسبة لسلطات الإحتلال الإسرائيلي وفي أحيانٍ كثيرة تتم عمليات الحصول عليه وحيازته بعلمها ومتابعتها؛ ولِما لا حيث يقتل الفلسطينييون بعضم بعضاً عَوضاً عن تكلّفه كاحتلال ثمن إجرامه بشكلٍ أو بآخر !
الحال الذي تلازم وارتفاع معدلات الجريمة بالوسط العربي في الأراضي المحتلة عام 1948 بحكم ظاهرة الإنتشار الجنوني للسلاح أيضاً، والتي باتت تُشكل هاجِساً للقوى الفلسطينية كافةً حيث المستفيد الأول هو الاحتلال سيّما وأنه يجد في الخلاص من أي فلسطيني مكسباً يضيفه لسلسلة مكتسباته من دمائنا وإنساننا من أرضنا ووجودِنا. مجمل هذه الأحداث دفع العديد لاعتبارها مشهداً من مشاهد الفلتان الذي يترقبه البعض استحقاقاً لا بدّ أن نَشهَدَهُ فور موقفٍ محدد حسبما يأمله البعض وحسبما يخطط له الاحتلال الذي يُعدّ العدة بكل ما أوتي ليُجهِز على مقدرات شعبنا مستخدماً البعض المُنظم أو البعض الذي وُظِفَ أساساً لمثل تلك المهام، مُهَيّئاً الميدان والمناخ العام كًونَه يسيطر كَقوة مُستَعمِرَة على الواقع الفلسطيني بمناحيه المختلفة.
ونتيجةً لِما تقدم نجد البعض قد سَلَّمَ انهزاماً للروايات التي تتناقل تحشيد البعض المُتَنفذ للأفراد والسلاح مُستَغلاً لِمواقعه المتقدمة واعتبارها حقيقةً لا مفرّ منها، وبالتالي باتَ العديد ساعياً للاصطفاف ضمن مظلة أحدهم المُتنفذ درءًا لقلة حيلته حسب الثقافة الدخلية التي سيطرت على الكثير المُرتَهن لمثل تلك المناخات فاقداً إدراك الوطن سلوكاً واعتقاداً. لكن وعلى النقيض مما يخططه ويجهده ضدنا الاحتلال الإسرائيلي بهذا الصدد وينفذه عبر أدواته وأذرعه الطولى بيننا نجد أن مستوى التكافل الإجتماعي وتجذُّر المنظومة القيميّة والوطنية تمكنت من التصدي لكثيرٍ من الرهانات رغم أننا بمعظمنا نعتقد العكس بحكم اختلاف الواقع عما شهدناه في العقود الماضية من صور التكافل والتعاضد ولفظ الإنحرافات عن المسار النضاليّ.
لقد وقفَ حسين الشيخ شقيق الراحل فور جنازته ليؤكد عبر كلماتٍ خرجت ثقيلةً مُجتَرحةً روحه ألماً لفقدان الغالي على قلبه لاجماً بركان الغضب الذي اعتمر صدره قهراً مثله مثل كل الذين فقدوا أعزّاءهم بمثل تلك البنادق المأجورة (بالنتيجة) مُتجاوزاً مقدرة العائلة في المُكوّن الإجتماعي وموقعه المتقدم كمسؤول وشريك في دائرة صنع القرار الفلسطيني، ليضع بذلك حداً لمجمل الأعراف والتقاليد التي تصطدم والسلم الأهلي فُيقدّم الإنسان والوطن غلاوةً على غلاوة دماء شقيقه حاسِماً الموقف ومطمئِناً الجميع أنه لن يسمح باستغلال الفاجعة بل سيفوّت على المتربصين الفرصة.
أمام قلق أبناء شعبنا من ظاهرتي تفشي العنف وانتشار السلاح وهذا الموقف الذي سجله حسين الشيخ بعد أن دفّن خليله أصبحت السلطات الأربع في الدولة الفلسطينية مطالبة فوراً بإعادة الاعتبار لأدوارها ووضع الحد بيدٍ من حديد لكلَّ ما من شأنه التعرض لسيادة القانون وانتهاك حقوق وكرامة إنساننا كي نتمكن من مواجهة هذا الإحتلال لا العكس والمُضي في طريق التحرر. موقف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأخ حسين الشيخ صوّبَ البوصلة نحو الموقف المسؤول، نحو فلسطين التي نريدها جميعاً دولة القانون والمؤسسات لا كياناً محكوماً لسلطة المال والعشائر والعائلات، نحو فلسطين التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون، وها هي دماءُ خليل تُعبّد الطريق نحو وطنٍ يحكمه العدل، وطنٌ قويّ برجاله الأحرار والأخيار.