الشاب الفلسطيني الذي كرمته الشرطة النمساوية ...

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

مهدي مبارك عبد الله 

في هجوم إرهابي مباغت وقع الأسبوع الماضي في شارع بوسط العاصمة النمساوية فيينا قرب كنيس يهودي ودار للأوبرا تبناه تنظيم داعش حيث قام عدد من المسلحين ( حسب تصريح وزير الداخلية النمساوي ) بإطلاق النار بشكل عشوائي في ستة مواقع ما أودى بحياة أربعة أشخاص وإصابة 22 شخصا بينهم ضابط وعدد من عناصر الشرطة قبل قتل منفذ الهجوم الرئيس البالغ من العمر 20 عام برصاص قوات الأمن النمساوية والذي تبين بعد ذلك انه نمساوي من أصل مقدوني سبق أن أدين بالحبس العام الماضي بجريمة محاولة السفر إلى سوريا للالتحاق بتنظيم داعش



الحادث بكل المقاييس إجرامي ومروع ومفجع ومدان ولا تبرير بالمطلق لقتل الأبرياء ولاسمكن ان يقوم به إنسان مسلم واعي والإرهاب بجميع أشكاله مرفوض وان استمرار خطاب الكراهية والإقصاء واستشراء عقلية التحريض تفتح الأبواب وتهيئ التربة المناسبة لانتشار ونمو الأفكار المتطرفة والعنف المتبادل ناهيك عن إطلاق وحش العنصرية من عقاله بشكل مخيف وخطير حتى أصبح وعلى مستوى عال بعض الرؤساء والوزراء والمسؤولين في الغرب لا يخفون عنصريتهم المقيتة ضد الإسلام والمسلمين بل ويتباهون بذلك مما زاد الفجوة والشرخ في النسيج المجتمعي الذي من المفروض ان يحمي البلاد ( انظر ما يجري في فرنسا على سبيل المثال لا الحصر ) مما يوجب من الجميع بشكل حازم الوقوف ضد الكراهية والعنف ونزعات التطرف وأعمال الإرهاب التي يضخها بخبث وكراهية ترامب وماكرون والنتن ياهو وغيرهما في عقول جماعات اليمين والميلشيات البيضاء المتطرفة والحاقدة



من مفارقات مشهد حادث فيينا الإرهابي ما فعله البطل الفلسطيني ( أسامة جودة ) 22عام الذي كرمته قيادة الشرطة النمساوية بمنحه وسام الشرطة الذهبي تقديرا لشجاعته بعد قيامه بإنقاذ حياة ضابط شرطة نمساوي من الموت المحقق بعد إصابته خلال الهجوم الإرهابي الأخير



هذا الشاب الفلسطيني غادر مدينة جباليا في قطاع غزة وهو في عامه الرابع عشر وقد عايش وجعا وإرهابا مختلفا ومنظما منذ نعومة أظفاره وهو إرهاب دولة الاحتلال الاسرائيلي بحق أبناء شعبه والتي أوغلت قتلا وظلما وحصارا وتشريد حيث شكلت هذه الذكريات القاسية والمؤلمة في نفسه دافعا إنسانيا وفطريا لأن يكون في مواجهة إرهاب من نوع آخر يستهدف الناس الأبرياء الآمنين في شوارع العاصمة فيينا ليؤكد للعالم أجمع أن العربي والمسلم عامة والفلسطيني خصوصا يصنعون الحياة وهي نقيض الإرهاب والقتل فمن تجرع الوجع والظلم لا يستغرب ما قام به الشجاع أسامة جودة من مساعدة وإسناد للشرطة وما هذا إلا نتاج ثقافة وسطية متوازنة تحترم الآخر تربى عليها من مخزون عاداتنا وتقاليدنا وديننا وأخلاقنا كعرب ومسلمين

وعن حيثيات الحدث الإرهابي الأليم أوضح جودة أنه يعمل مساعدا لمدير مركز ماكدونالدز في العاصمة فيينا وبينما كان في الخارج هو وزميله تفاجأ بوجود مسلح يطلق النار باتجاههما من بندقية كلاشينكوف فانبطحا أرضا لكن المهاجم أصاب ضابط شرطة نمساوي فسقط أرضا و كنت ابعد عنه خمس أمتار فقط وكان هنالك شرطي آخر قال لي اذهب الوضع هنا خطير فقلت له سابقي لأسعف زميلك وبالفعل أسعفت الضباط وسحبته إلى مكان آخر لتجنيبه الإصابة مرة أخرى وقد كنت ارتدي ( كنزة ) خلعتها وربطت بها رجل الضابط المصابة بالرصاص حتى أوقف نزيف الدم واتصلت بعدها بالشرطة لإسعافه حيث وصلت مركبات الإسعاف والتعزيزات الأمنية وأضاف ( انأ فعلت ذلك من اجل الإنسانية بغض النظر عن الديانات وانا مسلم وافتخر بذلك وإنني أعيش في النمسا وهي بلدي الثاني ويجب ان أدافع عنها ولو بحياتي )



مما يثبت من جديد واقعيا وعمليا أن الإرهاب الذي ( يزعمون وهو صناعتهم ) لا ينتمي إلى أي دين او عقيدة ولا هدف له إلا إشاعة الكراهية والغضب وخدمة اعتداء الإنسانية وان الأنظمة المستبدة لا زالت تسعى الى مغازلة المتطرفين والعنصريين من اجل تعميم وتصدير أكذوبة ( فزاعة الإسلام ) لتبرير جرائمهم وخدمة مصالحهم في سياق العداوة المنظمة ضد كل ما هو عربي ومسلم وهنا نتساءل باستغراب كيف لدين نهانا فيه رسول الله محمد صل الله عليه وسلم وهو يوصي الجيش في غزوة مؤته ( أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً اغزوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناء ) فهل حقا يجيز الإسلام قتل الأبرياء الآمنين بهذه الطريقة الوحشية لأناس عاديين في الشارع العام من أبناء الشعب النمساوي الصديق والمسالم والمثقف والهادئ



تنظيم داعش الذي تبنى الهجوم الذي قام به احد مناصريه وباقي المنظمات الإرهابية ليست إلا صناعة حلف شيطاني أمريكي وأوروبي لتخريب بلاد المسلمين ونهب ثرواتهم وهذا الهجوم وغيره مما سبق من هجمات مفتعلة نرى ان ورائها مخرج واحد وسيناريو يعمل حسب حاجة من أنشأ ومول وخطط لهذا التنظيم الإرهابي الذي قطع رؤوس المسلمين قبل الغربيين والأمريكان وأحرق الطيار الأردني المرحوم بإذنه تعالى معاذ الكساسبة ودمر الأخضر واليابس في طل ارض وطئها ولا علاقة للإسلام والمسلمين به من قريب او بعيد بل اعلبهم يرفضونه فكرا وتصرفات



التوقيت وطريقة والتنظيم والتنفيذ للهجوم الإرهابي تشي إلى انه عمل استخباراتي وتخريبي مبيت يهدف إلى زيادة حدة التوتر وزرع الكراهية وتبرير البغض والكراهية والعنف ضد المجتمعات المسلمة في الغرب وفرض المزيد من القيود عليهم والمستفيد الأول منه الزعامات و الحكومات وجماعات اليمين المتطرفة التي تريد تحقيق أي إنجاز عبر محاربة ما تسميه الإرهاب الإسلامي للتغطية على فشل أدائهم وعدم قدرتهم على خدمة شعوبهم

أفكارنا وقلوبنا مع الضحايا والمصابين وعائلاتهم في هذه الساعات الصعبة للغاية وإننا نكرر إدانتنا الشديدة لهذا العمل الإرهابي الذي يتنافى مع القيم والمبادئ الدينية والإنسانية ونؤكد كمسلمين رفضنا التام لكافة أشكال العنف والإرهاب سواء ما يرتكبه أفراد أو جماعات مسلحة أو إرهاب دول كالذي تقوم به إسرائيل اتجاه الشعب الفلسطيني الذي لازال يعاني من الاحتلال والإرهاب والقهر وعنف الدولة المنظم



وختاما إمام هذا الموقف الإنساني النبيل والمشرف وفي توقيت لافت تجري فيه مهاجمة الأقليات العربية والمسلمة في أوروبا وافتعال عداء طائفي وحرب دينية خفية ومعلنة فالبعض العنصري منهم رأى الإرهابي المهاجم بصفته الدينية وتجاهل المنقذ الفلسطيني أسامة جودة وأيضا بصفته الدينية ذاتها رغم ان كلاهما مسلم مما يؤكد من جديد والى الأبد ان الإرهاب ليس في الدين وعلى الغرب ان يراجع سياساته وسلوكياته اتجاه المسلمين وإلغاء مصطلح ما يسمى بالإرهاب الإسلامي مـن قـاموس العاـم ومواجهـة كل مخـطـطـات الـشـيـطـنة التي تمارس اليوم لأسـبـاب سـياسـية أو اقـتـصادية أو متـطـرفة فالإرهاب لا دين له أو وطن أو جـنـسـيـة أو طائفة وهـو عدو مشترك للإنسانية والسلام وقـيـم العدل والمساواة والتعايش المشترك



mahdimubarak@gmail.com



لو تكرمت ترك الايميل على المقال شكرا
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences