الإعلام الصهيوني وتزييف الوعي العربي ..!

{clean_title}
الشريط الإخباري :  


الإعلام الصهيوني وتزييف الوعي العربي ..! 

بقلم د. عبد الرحيم جاموس 

الإعلام الصهيوني يعمل وفق رؤيا إعلامية إستراتيجية، تستهدف تسويق (المستعمرة الإسرائيلية) لدى العالم ولدى المحيط العربي، أنها دولة ديمقراطية طبيعية ونموذج يقتدى بها، تكتسب مشروعيتها من إدعاءاتها الأسطورية بإعتبار أرض فلسطين (أرض الميعاد التي وعدَّ الربُ بها بني إسرائيل) ويلحق بذلك إدعاء تاريخي مزيف بأن فلسطين هي أرض اليهود منذ أكثر من ألفي سنة وأنهم أقاموا فيها دولتهم قبل التشتت والتشرد، لمنح نفسها مشروعية إغتصاب فلسطين، يأتي السند الأخير في أحقية (دولة إسرائيل) بالنشوء إلى الدور الإستعماري الغربي الذي إعتمد قيام هذا الكيان في إقليم فلسطين وعمل لتنفيذه وفق إحتياجاته الإستراتيجية في الهيمنة على المنطقة العربية، فاستغلت الدول الإستعمارية هيمنتها وقوتها على النظام الدولي الذي فرض عقب الحرب العالمية الأولى (عصبة الأمم) وعقب الحرب العالمية الثانية (الأمم المتحدة) وإستصدار القرارات التي تسبغ مشروعية قانونية في حقيقتها باطلة وظالمة في منح هذا الكيان شهادة ميلاد فوق أرض فلسطين. 

هذه هي مرتكزات الإعلام الصهيوني في تسويق مشروعيته، ومن ثم تقديم نفسه على أنه يمثل التعويض الأخلاقي عما لحق اليهود من إضطهاد تاريخي وخاصة في أوروبا على يد النازية والحركات اللاسامية ... دون النظر لما يخلفه هذا الحل للمسألة اليهودية من مأساة للشعب الفلسطيني لا تقل مأساة عن مأساة ضحايا النازية والإضطهاد الأوروبي لليهود عبر التاريخ ..! 

هذا الكيان هو نتاج وإفراز إستعماري إستيطاني عدواني من الحركة الإستعمارية الغربية التي إستهدفت فلسطين وبلاد العرب منذ مطلع القرن العشرين، ووجوده وإستمراره سيبقى مرتبطاً بأهداف وغايات ورغبات المصالح الغربية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ..! 

في سياق جدلية الصراع العربي الإسرائيلي، يسعى الإعلام الصهيوني إلى إحداث إختراقات للوعي وللموقف العربي على المستوى الرسمي والشعبي، الجمعي والفردي، بهدف دمج نفسه في المنطقة العربية وفرض القبول به ليس كمجرد أمر واقع بفعل القوة والإغتصاب، وإنما من خلال إمكانية نسج علاقات مختلفة سياسية وإقتصادية وأمنية مع الدول العربية وشعوبها (التطبيع) سواء بموجب ما اطلق عليه إتفاقات السلام مع بعض الدول العربية أو دون ذلك من اتصالات وتوافقات. 

لذا لا يتورع الإعلام الصهيوني عن خلق الشائعات وفبركة الأخبار والأحداث، عن تسارع نمو علاقاته مع العديد من الدول العربية والتي لا ترتبط معه حتى بإتفاقات سلام، فيتبجح رئيس وزرائه نتنياهو أن فترات حكمه قد شهدت نمواً كبيراً في علاقات الكيان مع الدول العربية أملتها المصالح المشتركة مثل (اتفاقات ابرام) الموقعة مع كل من الإمارات العربية والبحرين والسودان هادفاً إلى تصفية وعزل القضية العربية الفلسطينية عن محيطها العربي وبالتالي إعتبار القضية الفلسطينية مجرد قضية قُطرية لا تهم سوى الفلسطينيين فقط دون غيرهم من العرب والمسلمين والمسيحيين، وهذه تمثل غاية أساسية وإستراتيجية للإعلام والسياسة الإسرائيلية في استهداف تزييف الوعي لدى الإنسان العربي. 

بناء عليه فإن أجهزة الإعلام الصهيونية المختلفة تخدم هذه الرؤيا الإستراتيجية للكيان الصهيوني، ويتناقل بعض العرب ما تبثه في بعض وسائل إعلامها دون إدراك لعدم مصداقيتها ودون إدراك لخطورتها في زرع بذور الشك والفتنة بين الشعوب العربية وخلق حالة من الإحباط لدى الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، لأجل التسليم بإملاءات الكيان الصهيوني ورعاته بالصيغ الظالمة الهادفة إنهاء حالة الصراع العربي الإسرائيلي وفي جوهره القضية الفلسطينية، رغم المواقف العربية الواضحة التي تبلورت في قرارات الجامعة العربية على مستوى القمم المتتابعة وعلى مستوى بيانات الدول العربية بشكل فردي والتي خرجت عليها فعلا بعض الدول تحت وطأة ظروفها الخاصة من جهة والضغوط الامريكية التي تتعرض لها من جهة أخرى، والأخطر من ذلك يكمن في تساوق بعض الكتاب والصحفيين واشباه الكتاب والمثقفين مع هذه الإستراتيجيات الصهيونية والتي قد بدأت تنشط في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي لتسويق رؤى الكيان الصهيوني المختلفة بشأن تزوير وتزييف الحقائق التاريخية والسياسية والقانونية وحتى الدينية منها المتعلقة بالصراع وبالقضية الفلسطينية أرضا وشعبا وقيادة دون وازع من خلق أو ضمير يردع أمثال هؤلاء المتساقطين والمتسلمين للرؤيا الصهيونية الكاذبة والتي اخذوا بالتنظير والترويج لها في الوسط العربي ممثلة هذه الظاهرة المخزية حالة خطيرة من حالات الإختراق للوعي وللعقل العربي يتباها به قادة الكيان الصهيوني ... 

إن الإعلام الصهيوني سيواصل سياساته الهادفة إلى غزو العقل وتزييف الوعي العربي وسيستمر في زرع بذور الشك في ثبات المواقف العربية من خلال ما يبث من إعلام كاذب ومضخم، لابد من التعامل معه بكامل الحيطة والحذر واليقظة والعمل على تفويت الفرصة عليه من تحقيق أهدافه وغاياته في تزييف العقل والوعي العربي والرَّد عليه وعلى المتهافتين والمتساوقين من العرب مع ادعاءاتها الكاذبة ... بالحقائق العلمية الدامغة تاريخيا واجتماعيا وسياسيا وقانونيا ودينيا... 

رغم كل هذه السياسات التي يتبعها الكيان الصهيوني ورغم تردي الوضع العربي بصفة عامة وبعض اختراقاته التي انجزها، سيبقى كيانا استعماريا استيطانيا فاشلا وعابرا ومرفوضا ولن يكتب له النجاح، لأن فلسطين التي يستهدفها فيها شعب واعي وحضاري وجزء لا يتجزأ من أمة كبيرة وعريقة لها حضارتها وثقافتها غير القابلة للإندثار أو الزوال أو الإنكسار أمام جبروت ومغريات وضلالات وتزويرات الحركة الإستعمارية الإستيطانية الصهيونية وفلسطين ليست مثل أمريكا القديمة ولا نيوزيلانده أو استراليا القديمتين، تلك الدول والأقاليم التي استطاعت المشاريع الإستعمارية الإستطيانية الأوروبية فيها، أن تتغلب على السكان الأصليين فيها بشتى الوسائل الجهنمية وأن تكسر ارادتهم وحضارتهم وثقافتهم وتهزمهم شر هزيمة، وأن تقيم على انقاض تلك الشعوب وحضاراتها وثقافاتها دولا استيطانية تعد ناجحة وأن تدمج وتلحق ما تبقى من المواطنين الأصليين لتلك الدول والشعوب في كياناتها الجديدة، وهذا ما يؤكده يوميا الصمود الأسطوري الذي يسطره الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية في رفض هذا المشروع الإستعماري الإستيطاني الصهيوني العابر والمارق والذي يسير بخطى حثيثة نحو تطبيق نموذج النظام الإستعماري الإستيطاني العنصري الفاشل والبائد في جنوب القارة الإفريقية والذي فشل فشلا ذريعا في تأسيس دولة استيطانية عنصرية ناجحة حيث بقيت الشعوب الإفريقية رافضة له حتى سقط وتم زواله .. يضاف إلى ذلك المشروع الإستعماري الفرنسي للجزائر والذي كان ايضا قائما على فلسفة الضم والإستيطان واعتبار الجزائر امتدادا للدولة الفرنسية والذي أفشله صمود ونضال وكفاح الشعب الجزائري الشقيق على مدى أزيد من مئة وثلاثين عاما طوال .. 

فالكيان الصهيوني يسير على خطى تطبيق نموذج النظام العنصري الإستيطاني الفاشل والبائد في كل من جنوب افريقيا كما الجزائر. 

وهنا أتذكر شعاراتنا أثناء ثورة الجزائر (غصبن عنك يا ديغول الجزائر عربية) ... فعلينا أن نقول اليوم (غصبن عن الصهيونية فلسطين ستبقى عربية). 

من هنا نؤكد على ضرورة مواجهة هذا المشروع وسياساته بمختلف الوسائل الممكنة .. حتى يلاقي مصيره المحتوم والمحكوم عليه بالفشل الذريع. 

(هذه المقالة هي خلاصة أمسيتنا الثقافية الخميسية لليلة 27/11/2020م). 

د. عبد الرحيم محمود جاموس 

عضو المجلس الوطني الفلسطيني 

27/11/2020 

pcommety@hotmail.com
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences