ألغام… كمائن… مطبات… في طريق وزارة الخصاونة… إلى متى؟ الأردن والعودة لـ«تفخيخ» الانتخابات و«المعلمين»
الشريط الإخباري :
بسام البدارين
يكثر النواب من إطلاق العيارات الاستعراضية الطائشة.. تبدأ النخب ومراكز القوى بالتحرش.. تواصل المنصات قصفها لكل صغيرة قبل الكبيرة، ثم تبدأ الصالونات بنميمة التسالي، وترفع مؤسسات سيادية أو مهمة الغطاء قبل أن يبدأ بعض الوزراء بالاجتهاد خارج النص أو بالاعتقاد بأنهم الأجدر برئاسة الطاقم ومجلس الوزراء.
تلك باختصار ملامح وصفة موسمية مألوفة ومتكررة في الأردن، سرعان ما يواجهها وبوقت قصير أي رئيس وزراء جديد يبدأ تجربته بتوسيع الطيف ومجاملة الجميع، ثم وبعد المئة يم الأولى يبدأ بالانشغال في متابعة الكمائن والمطبات ومحاولة احتضان الألغام هنا وهناك.
يمكن القول وببساطة إزاء تفاعل هذا المشهد مجدداً أن رئيس الوزراء الحالي وهو طموح ويختزن طاقة كبيرة، لا تشذ حكومته عن تلك القواعد، فهي مجموعة قوائم بائسة ومضجرة تختص بإعاقة مسيرة أي حكومة وبسبب هشاشة التفاصيل حتى داخل المؤسسات الشريكة أحياناً تصبح مثل هذه القواعد هي اللعبة المألوفة.
صحيح أن ذلك ينبغي أن يتغير، فالظروف التي أملت تشكيل حكومة الخصاونة استثنائية تماماً كما ورد في خطاب التكليف الملكي، وحجم الملفات في اشتباك كبير وحساس، والمعطيات الاقتصادية الداخلية والصحية تتحالف مع مستجدات الإقليم والعالم في جعل أي مسيرة صعبة وتحتاج لقيود جبارة. يظهر الخصاونة مرونة حتى هذه اللحظة ويعمل ضمن نطاق أولويات واضحة ويحاول التأسيس لمنهجية أداء قائمة على التقييم، لكن خارطة تركيبته الوزارية تدل على بعض مواطن القصور في الأداء، أو ميل بعض الوزراء للتأزيم، أو أحياناً غياب القدر المطلوب من الانسجام وسعي بعض أفراد الطاقم للتباطؤ على الأقل في الاشتباك مع التفاصيل.
تتداول النخب والصالونات فجأة عبارات يفترض أنها قيلت في الاتجاه السلبي بتقييم الحكومة على هامش عشاء سياسي حضره رئيسا مجلسي الأعيان والنواب فيصل الفايز وعبد المنعم العودات، وتضمن النقاش -حسب السيناريو المنقول- ملاحظات نقدية لأداء الحكومة في الاشتباك مع سلطتي التشريع، لكن لوحظ في الأثناء بأن أحداً من الشركاء والمطلوب منهم دعم الحكومة الحالية لم يتدخل للإنصاف.
يحتاج برنامج الخصاونة لفرصة حقيقية ليس فقط بسبب معايير العدالة والإنصاف في التقييم، ولكن أيضاً لأن آلية تبديل الحكومات أصبحت مقلقة وطنياً وتحتاج إلى مراجعة أشمل وأعمق، وأيضاً لأن الخصاونة تحديداً يظهر ميلاً شديداً للتعاون والشراكة مع السلطة التشريعية لا يتعامل معها الشركاء هنا بمعايير الحماسة نفسها، وإن كانت الظروف استثنائية وتتطلب إخفاء الأجندات الشخصية والتركيز على ما هو وطني مرحلياً، وعابر للحكومة في اتجاه مقاييس وبرنامج الدولة.
لأسباب لا تبدو واضحة حتى الآن على الأقل، تم تفجير بعض الألغام في حضن الحكومة التي ورثت من جانبها تركة ثقيلة من أيام حكومة المصفوفات التي سبقتها، فقد أصبح الاستحقاق النقابي ملحاً بعد سلسلة طويلة ومضجرة من الضربات التي وجهت للمؤسسات النقابية، وأصبح أيضاً ملف التعددية الحزبية ممراً إجبارياً يفترض أن يعبر بين حقوله الرئيس وطاقمه ضمن التحولات المباغتة مرحلياً في أجندة الإصلاح السياسي.
لا أحد يعلم بعد كيف ولماذا انفجر مجدداً لغم نقابة المعلمين في حضن حكومة الخصاونة، والمرجح -وكما أبلغ «القدس العربي» نائب النقيب ناصر النواصرة- أن حرب الأرزاق التي شنها وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي أسست لتغذية تأزيمية راجعة وألهبت مشاعر المعلمين بالتزامن مع الخيار القضائي الذي أفتى بمرحلته الأولى بحل النقابة قبل اللجوء إلى محكمة الاستئناف.
بالتأكيد لم يخطط الخصاونة لهذه الحرب في مرحلة صعبة.
وبالتأكيد، موقف الحكومة مقلق وحساس لأن ملف النقابة المثير للجدل ومصيرها بين يدي السلطة القضائية الآن، لكن الكلفة تتحملها الحكومات بالعادة حتى وإن كان جناح مهم في طاقم الخصاونة من الداعين إلى حلول وسطية في أزمة المعلمين قوامها تجنب خيار حل النقابة ووقف التأزيم وتجميد التوسع بقرارات الإحالة على التقاعد والاستيداع والبدء بحوار راشد وعقلاني تحت عنوان إعادة ومراجعة تعريف قانون نقابة المعلمين نفسه.
في الأثناء أيضاً، تتحمل الحكومة كلفة مجمل التجاذبات والنقاشات الصاخبة التي نتجت عن الانتخابات الأخيرة رغم أن دور السلطة التنفيذية، سواء في الإجراءات أو الترتيبات أو حتى في غرف العمليات، هامشي جداً في مسألة الانتخابات التي أدت بدورها لاحقاً إلى انفجار لغم أكبر عنوانه الاتجاه المتوازن العقلاني الممكن وغير اللعوب في ملف تشريعات الإصلاح السياسي.
تلاحظ مؤسسات حقوقية مهمة في الداخل والخارج على الأداء الرسمي في مسار ملف الحريات. ورغم أن الحكومة ليست وحدها إطلاقاً في هذا المضمار إلا أنها تدفع الكلفة في الوقت الذي تفرض فيه الأجندة الفايروسية والوبائية أيضاً بصماتها في كل الاتجاهات.
يعرف الجميع أن الحكومة بالعادة ليست الطرف صاحب القرار الوحيد في ملفات مثل النقابات والإصلاح السياسي والانتخابات، لكنها وبحكم موروثات النسخة المألوفة محلياً من مقولة الولاية العامة تتحمل الكلف والنتائج والتداعيات.
وبوضوح هنا، تقوم حكومة الخصاونة بواجبها الدستوري، لكن بوضوح أكثر وحتى تحافظ النخبة السياسية على التوازن المطلوب في ظرف استثنائي فعلاً، فعلى الجميع التوقف عن نهش الحكومة والتحرش بها أو تفخيخ الملفات وزرع الألغام، خصوصاً في داخل وأعماق الأقنية الرسمية والبيروقراطية، وحتى السيادية في بعض الأحيان