معركتنا مع الوباء .. مؤشرات مقلقة..!
الشريط الإخباري :
أكثر من عام مر على بدء هجوم «كورونا المستجد» على الجنس البشري، ولم يتمكن البشر من إيقافه بعد. وحتى بعد اكتشاف اللقاحات الذي كان بعيد المنال، ما يزال الفيروس يناور ويتحور، واللقاحات شحيحة.
في معركتنا المحلية مع الوباء، راوحنا بين النجاحات والإخفاقات. وكانت خيارات كل الأطراف تحدد الوجهات والنتائج. هناك الحكومة التي تتخذ القرارات، وتحدد آليات تطبيق هذه القرارات. وهناك المواطنون، الذين تحدد رؤاهم لجدّية الوباء، ومدى التزامهم بالقرارات والإجراءات الوقائية نجاح الخطط العامة وفشلها. وتماما مثل أي معركة، يؤدي قرار إداري خاطئ أو ثغرات في الخطط إلى مزيد من الخسائر، وكذلك يفعل عدم انضباط الأفراد بالخطط ومخالفتهم التعليمات.
انخراط كل فرد بلا استثناء في معركة الوباء وتنوع الاجتهادات يجعل ضبط كل شيء مستحيلا. وخسائر الاختلالات شاملة، في الأرواح، والاقتصاد، والنفسية الاجتماعية وعجلة الحياة اليومية. وللأمر علاقة بنوعية المفاضلات أيضا. هناك في العالم أولئك الذين رتبوا الأولويات على أساس أن حفظ الأرواح هو الأولوية المطلقة، وبعده يأتي ما يأتي من اقتصاد، وتعليم، وحريات وأعمال. وهناك الذين رأوا أن الاقتصاد هو الأول –وكان على رأسهم الرئيس الأميركي المنصرف، دونالد ترامب. وهناك الذين اختاروا «الموازنة» والمناورة، فيغلقون حين ترتفع الوفيات والإصابات، ويفتحون حين تنخفض وإلى أن ترتفع. والخسائر حتمية في الاقتصاد والأرواح معا والمعركة أطول أمدا.
في هذا النهج الثالث، يستحيل تقريبا العثور على نقطة التوازن الصحيحة بسبب تعدد العوامل. هناك توقيت القرارات ونوعها. وهناك التزام الأطراف بالتنفيذ. وهناك الضغط من مختلف أصحاب الرؤى والمصالح. ولأننا ذهبنا إلى نهج «الموازنة»، اختبرنا هجمات الفيروس المفاجئة التي وضعت إمكانياتنا عند النقطة الحرجة.
وفي الحقيقة، سيكون اعتبار أي نقطة في معركة الوباء مطمئنة خداعاً للذات لأن الفيروس غادر وعنيد وسلوكه عصي على التوقع. وقد استطاعت قلة من البلدان من محاصرته وغلق الطرق أمامه –وإدامة ذلك- بتوليفة من القرارات والإجراءات الحكومية، وثقافة الالتزام.
في بلدنا، كما حدث، سجلنا صفر إصابات لفترة وأفرطنا في امتداح أنفسنا قبل أن يهاجم الفيروس ويبدد الأوهام. ووصل عدد الإصابات في يوم واحد إلى قرب 9000. وفي هذا الأسبوع الأخير فقط، تضاعف عدد الإصابات بين ليلة وضحاها، مرتفعا من 1240 يوم السبت إلى 2447 يوم الأحد. وارتفعت نسبة الفحوص الإيجابية يوم الأحد إلى
9.9 %، متجاوزة «نقطة الأمان» النسبي المحددة عند 8 %. ثم ارتفع عدد الإصابات أول من أمس إلى 2657، وظلت نسبة الإيجابي فوق 8 %.
ومع ذلك، هناك الذين يطالبون بشدة بإلغاء آخر القيود وفتح كل شيء، والاعتماد على الالتزام الفردي. ومع وجاهة المطالب الاقتصادية التي ينطلقون منهم، فإنهم لا يريدون رؤية ما يحدث في العالم، وفداحة عواقب التفشي وارتفاع الإصابات، فالوفيات، فضرب الاقتصاد نفسه بقوة.
حيث ترتفع أعداد الإصابات، تعود الدول في كل مكان إلى درجات مختلفة من الإغلاق، والتي تصل إلى الحظر الشامل لأسابيع، حتى في دول مثل بريطانيا وألمانيا حيث التطعيم جار على قدم وساق، وحيث الإمكانيات عالية. ولكن، مهما تكن نوعية القدرات المادية، فإن أحدا لن يحب المغامرة بأرواح الناس والسماح بانتشار الوباء عندما يتعلق الأمر بخيارات خاضعة للإرادة.
بالأمس، ضبطت السلطات في الأردن عشرة أشخاص خالفوا إجراءات الحجر المنزلي – ولا بد أن يكون عدد الذين لم يتم ضبطهم من هؤلاء أكبر. ويؤكد خروج هؤلاء الذين يعرفون بمرضهم لنشر المرض بين مواطنيهم عبثية التعويل على «الالتزام» وحده لاحتواء المرض.
وبذلك، يكون الإجراء الوحيد المتاح عند ظهور مؤشرات على قدوم موجة جديدة من التفشي هو معاودة تشديد الإجراءات. وسيكون منع التجمعات غير المؤثرة اقتصاديا من كل الأنواع خياراً قليل الألم قياساً بالخسائر البشرية والضغط اللوجستي المنهِك. ويمكن تمديد ساعات الحظر في الأوقات الأقل تأثيراً – وحتى عزل مناطق تُعرف بأنها كثيرة الإصابات، أو إخضاعها إلى إجراءات خاصة ومراقبتها بيقظة أكبر.
الآن، مع ظهور سلالات جديدة شديدة العدوى من الفيروس، تعني المماطلة في الحسم عند ظهور مؤشرات الخطر مغامرة بخروج الأمور عن السيطرة. وتخبرنا التجربة مع الفيروس أنه يمكن أن يحبط أي حسابات ويبدد أي طمأنينة خادعة.
علاءالدين ابو زينة