في سيكولوجية تشغيل الأقارب والأصدقاء والجيران
الشريط الإخباري :
حدثني فقال: من خبرتي الطويلة في العمل – الحكومي – الذي استمر واحدا وعشرين سنة تبين لي أن تشغيل الأقارب والأصدقاء والجيران في العمل الحكومي أو في الشركات المقفلة المساهمة العامة يضعف الإدارة، ويخفض مستوى الأداء، ولكن الوزير أو الأمين أو المدير العام في بلدنا يعتبرون تشغيلهم خدمة واجبة عليهم وإن تمت دون حق أو مؤهل، لأن الفهم السائد أن العمل العام، أو المال العام، أو الحق العام، سائب، أي ليس له مالك معين يحاسب عليه، وأن وظيفة الوزير أو الأمين أو المدير، العام زائلة، فلا يحاسب يوماً على ضعف الأداء، أو انهيار المشروع. أدخل إحدى الوزارات أو الجامعات العامة أو أمانة عمان الكبرى أو إحدى البلديات تجد أن الموظفين أكثر من الأعمال، وأن كثيرا منهم لا يداوم، وكل واحد منهم محصن بالوزير أو المدير الذي عينه. وتزداد الحصانة والإهمال في بلد عشائري بالتعيين في دوائر حكومية في بلدتهم نفسها أو حتى في المحافظة نفسها، أو بنقل المعنيين من ابنائها وبناتها إليها.
ولذلك يفخر كثير من هؤلاء في دواوينهم أو في مناسبات ترشيح أنفسهم لمجلس النواب، بكثرة من عينوا من الأقارب والأصدقاء والجيران، في اعتداء صارخ على حقوق غيرهم أو الأباعد المؤهلين. إن القاعدة هنا أن الحمولة الزائدة مقبولة وإن كانت تعني: أكبر كلفة بأقل عائد. وأن القرابة أو الصداقة أو الجيرة تقوى وتدوم وهي أولى في العمل العام وتتقدم عليه وليكن بعد ذلك ما يكون أو الطوفان. ولكل قاعدة شواذ تثبت صحتها.
وأضاف محدثي: أما خبرتي في العمل الخاص التي امتدت لأربع عشرة سنة فقد بينت لي أن تشغيل صاحب العمل للأقارب، أو للأصدقاء، أو للجيران بيت بيت، في شركاتهم (لا في أعمال فردية) أعني بناتهم وأبناءهم يضعف الإدارة ويضعف الأداء، بالمناخ والمشكلات التي يخلقها هؤلاء في العمل كالتنمر على بقية العاملين، وكأن لديهم حصانة بالقرابة او الصداقة، أو الجيرة (أو الدين أحيانا) من المساءلة، أو لسعيهم النفسي الخفي لإفشال العمل أو المشروع حسدا وغيرة من القريب أو الصديق أو الجار، الناجح.
وعندما يضطر صاحب العمل أو مديره العام إلى إيقاع عقاب مستحق على أحدهم، فإن القرابة أو الصداقة أو الجيرة تهتز، وربما تضيع تماما إذا انتهى العقاب بالطرد أو بالاستقالة. وعندئذ يبدأ تشويه السمعة لصاحب العمل ومديره بين الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران.
صاحب العمل يغامر بماله وبوقته وبجهده وبسمعته وبمستقبله بعمل أو استثمار ما، لأنه قد ينجح فيه أو يفشل، ولذلك فإنه غير مستعد لإبقاء ابنه أو ابنته يعملان عنده إذا كانا غير مقتدرين عليه، أو ضارين به.
وعليه فإن القاعدة هنا: أقل كلفة بأكبر عائد وأن العمل يتقدم على القرابة والصداقة والجيرة وأنك إذا اردت المحافظة عليها فشغل الأباعد الأكفاء. ولكل قاعدة شواذ تثبت صحتها.
والبديل: حاول أن نجد للأقارب أو الجيران أو الأصدقاء عملا في مكان آخر، أو قدم المساعدة اللازمة لهم بالتدريب المؤقت مثلا أو مالياً… إن كنت قادرا، وكانوا شديدي الاحتياج إليها. اما البديل الثاني فإقناعهم بخطورة العمل على القرابة أو الصداقة أو الجيرة إن اضطررت ذات يوم إلى إيقاع العقاب عليهم، وبخاصة بإنهاء العمل، وهو ما لا أريده أنا وأنتم.
لقد لاحظت – يوما – في إحدى الشركات الكبيرة الخاصة أن مالكها ومديرها العام كان أكثر تشددا على اشقائه فيها منه على غيرهم. ربما لأنه كان يهدف إلى إفشالهم ودفعهم إلى الاستقالة للتخلص منهم، ليدعي بعد ذلك أنه لم يجبرهم عليه عندما يعاتبه الأقربون أو الأصدقاء أو الجيران، أو ليؤكد عدله في عمله غير مفرق بين قريب أو بعيد، أو ليبعث رسالة إلى الجميع انه صارم في التعامل مع سوء الأداء أو الإهمال…
الكلام عن الأقارب هنا يعني الأقارب الأفقيين. أما الأقارب العموديين كالأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات فتشغيل الصالحين منهم للعمل ضروري مرتين: مرة لأنهم سيحافظون عليه بخاصة لأنه للأب أو للجد. ومرة أخرى لأنهم سيرثونه، وعقاب الأب أو الجد لهم مقبول لأنه يتم بهدف نبيل. ولكنهم – يا للأسف – يتقاسمون العمل بينهم عندما يؤول إليهم لأن القاعدة في بلادنا كما تبين لي أن الشراكة قد تستمر لجيل أو لجيلين، ثم تفرط.
وفي الختام: ينطبق هذا الكلام تمام الانطباق على الزواج من الأقارب والأصدقاء والجيران، إذ قد يؤدي الشقاق بين الزوجين أو الطلاق بينهما إلى القضاء على القرابة (بين الشقيقين المتصاهرين) والأصدقاء والجيران، فغربوا في الزواج وابعدوا فيه كما ينصح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.