المعادلة العراقية باختصار… سلاح منفلت وحكومة ضعيفة

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

استعراض جديد للقوة قامت به ميليشيا مسلحة في قلب العاصمة بغداد، الإعلان عن هوية المسلحين جاء عبر الأقنعة، التي غطت وجوه المسلحين الملثمين التي كتب عليها «ربع الله» في إشارة إلى ميليشيا جديدة في خريطة الفصائل المسلحة في العراق. حكومة الكاظمي من جانبها لم تتخذ إجراءات حقيقية لمواجهة ما حصل، واكتفت بإصدار بيانات الاستنكار والشجب، والإعلان عن نهاية المظاهر المسلحة في الشارع العراقي بعد انتهاء الاستعراض العسكري، من دون أن يتبع ذلك تحقيق جاد في ما حصل، ومحاسبة المتجاوزين على القانون لأنها ببساطة أضعف من أن تتخذ مثل هذه الخطوات.
ردود الأفعال على استعراض القوة، والتصريحات الرسمية وشبه الرسمية التي تعاطت مع الحدث جاءت مضحكة مبكية، فقد أصدرت هيئة الحشد الشعبي، بيانا حول انتشار «ميليشيات» في العاصمة بغداد ذكرت فيه «ننفي نفيا قاطعا وجود أي تحرك عسكري لقطعات الحشد الشعبي داخل العاصمة بغداد، حسبما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام». وأكدت الهيئة أن «تحركات قوات الحشد تأتي ضمن أوامر القائد العام للقوات المسلحة، وبالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة» موضحة أن «ألوية الحشد تسمى بالأرقام لا بالمسميات الأخرى، كما أن مديرياته تحمل التسميات الرسمية المعروفة».
كما أصدر المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة اللواء تحسين الخفاجي، بيانا إعلاميا قال فيه «تفاجأنا من المقاطع الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأنا اتصالاتنا» مؤكداً أن «المظاهر المسلحة انتهت، وقيادة العمليات في بغداد قامت باللازم». ولم يعلم العراقيون هل يضحكون على مفارقة علم قيادة العمليات والجهات الأمنية والاستخباراتية باحتلال ميليشيا مسلحة لقلب العاصمة بغداد من منصات التواصل الاجتماعي، أم يضحكون على طمأنة المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات للشعب العراقي، بأن المظاهر المسلحة انتهت وإن قيادة العمليات قامت باللازم.

قيادة العمليات والجهات الأمنية والاستخباراتية تعلم باحتلال ميليشيا مسلحة لقلب العاصمة بغداد من منصات التواصل الاجتماعي

من جهته صرح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تصريحا باهتا لا طعم له، نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية قال فيه «إن استعراض اليوم، الهدف منه إرباك الوضع وإبعاد العراق عن دوره الحقيقي» وأضاف أن» هناك من يعتقد أنه بالسلاح يهدد الدولة» مؤكدا بالقول «كفى حروبا وسلاحا». ونسي إنه قبل شهر من الآن قال الكلمات نفسها لميليشيا التيار الصدري، عندما قامت باحتلال قلب بغداد والمدن المقدسة في كربلاء والنجف يوم 8 شباط/فبراير الماضي، إذ علق الكاظمي حينذاك في تغريدة له على تويتر قائلا؛ «لن نتنازل عن بناء الدولة وهيبتها، أنجزنا الكثير لحل الأزمات الأمنية والاقتصادية والصحية». وأضاف أن» البناء لا يتم بالتجاوز على الرموز والمقدسات الدينية والوطنية، وضرب المؤسسات وقطع الطرق، بل بدعم الدولة» وشدد على أنه «لن يتهاون مع المتجاوزين». المضحك المبكي جاء في تغريدة مقتدى الصدر الغاضبة مما جرى والتي أدان فيها سلوك غرمائه من الميليشيات الشيعية المنافسة، وما قاموا به من استعراض للقوة في العاصمة، ونسي أن ميليشياته قامت قبل شهر بالسلوك نفسه المنفلت الخارج على القانون، إذ قال الصدر في تغريدته «لقد لجأت إحدى الميليشيات إلى الاستعراض العسكري المسلح، والانتشار المكثف في العاصمة الحبيبة بغداد، من أجل مطالب مثل صرف الدولار، فأقول: أولا: إن اللجوء إلى السلاح لتحقيق المطالب أمر مرفوض، يجب على الحكومة الحيلولة لعدم وقوعه مرة أخرى. ثانيا: إن هذه الجهة التي قامت بالاستعراض، إن كانت تنتمي للحشد المجاهد فعلى الحشد معاقبتها، وإلا فإعلان البراءة منها. ثالثا: إن في قرار رفع صرف الدولار فوائد ومضار، ولذا تركنا قراره بيد المختصين من أهل المعرفة بأمور الاقتصاد، لكن يجب أن لا يتضرر الشعب كثيرا، خصوصا مع وجود جشع وارتفاع أسعار في الأسواق، فعلى الحكومة الحيلولة دون ارتفاع الأسعار، ومعاقبة الفاعلين. رابعا: لعل تلك الميليشيا تظن أنها ستنال تعاطف الشعب معها. كلا فالعنف خارج عن تعاطف الشعب فكفاكم عنفا وأذى.. وإياكم وكسر هيبة الدولة، خصوصا أن استعراضكم لم يك بتنسيق معها». استعراض ميليشيا «ربع الله» الذي تم في شارع فلسطين في قلب العاصمة بغداد يوم 25 أذار/مارس الجاري قُرأ عدة قراءات وبمستويات مختلفة، فالبعض عزاه للتوتر الحاصل نتيجة عمل لجنة مكافحة الفساد، التي شكلها رئيس الحكومة برئاسة الجنرال أحمد أبو رغيف، إذ أعلن أنها ستطيح برؤوس كبيرة متهمة بقضايا فساد كبرى من الفصائل الولائية، والأحزاب المقربة منها، فجاء استعراض «ربع الله» رسالة تهديد واضحة، عبر حمل صور الكاظمي وابو رغيف وقد شوهت بدمغة حذاء، وكُتبت عليها عبارات مسيئة بحق الكاظمي وتهديد بـ»قطع أذنيه». إذ ذكرت تسريبات من أوساط سياسية مطلعة، أن كتلا شيعية متنفذة، تضغط على الحكومة للحد من نشاط لجنة مكافحة الفساد بعد تقربها من اعتقال نحو 12 شخصية متنفذة، متهمة بتنفيذ عمليات اغتيال، وتهريب عملة، تحسباً من الصدام المسلح مع الحكومة. وستُحرم عشرات الشخصيات المطلوبة للقضاء من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، المقرر إجراؤها في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل.
بينما تناولت القراءة الثانية ضغوط بعض الفصائل المسلحة والأحزاب السياسية، التي تهددت مصالحها نتيجة رفع سعر صرف الدولار، وانعكاس ذلك على خسائر البنوك الأهلية، التي تعمل كواجهات لقوى سياسية متنفذة تقوم بنهب الأموال، عبر ما يعرف بمزاد العملة وصفقات بيع الدولار، ومعروف أن نسبة كبيرة من هذه الأموال تذهب إلى فصائل مسلحة وأحزاب في السلطة وشخصيات نافذة في العملية السياسية، كل هذه الجهات نالها بعض الأذى من قرار تعويم سعر الدولار، فدفعت بميليشيا «ربع الله» إلى هذا الاستعراض، وقد بات بعض المحللين يصنفون هذه الميليشيا على أنها أحد الأجنحة المسلحة التابعة لحزب الله العراقي القريب من طهران، وقيادات الحرس الثوري الإيراني. وقد استدل أصحاب هذه القراءة على وجهة نظرهم من الكلمة التي ألقاها أحد الملثمين في الاستعراض، إذ تضمن بيان «ربع الله» مجموعة من المطالب المالية والاقتصادية ومنها: «إقرار الموازنة، تراجع سعر صرف الدولار، عدم تسليم الموازنة إلى بارزاني (في إشارة إلى حكومة إقليم كردستان العراق) من دون دفع مستحقات النفط والمعابر، حسب ما نقلت المنصات الإعلامية المقربة من الميليشيات الولائية.
أما القراءة الثالثة فقد جاءت على أنغام التوترات الإقليمية والدولية، إذ ربط بعض الكتاب والمحللين، بين دعوات الكاظمي لما سماه بجهود «المصالحة والسلام» بين الشعب، والفصائل المسلحة بعد زيارة بابا الفاتيكان فرانسيس إلى العراق، التي حاولت نزع فتيل أزمة «خلايا الكاتيوشا» التي تشن هجمات على المصالح الأمريكية في العراق، وتتسبب في توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جاء رد الفصائل الولائية مستهزءا ورافضا لدعوة رئيس الحكومة، ومطالبته بـ»العمل الجاد على إخراج قوات الاحتلال من العراق في أسرع وقت» وقد تزامن استعراض القوة الذي نفذته ميليشيا «ربع الله» مع إعلان مسؤول في الحكومة العراقية يوم 23 مارس الجاري، أن بغداد دعت رسميا واشنطن إلى «حوار استراتيجي» جديد، في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن استكمالا لجولتي الحوار الاستراتيجي، اللتين تمتا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
كما أن هنالك قراءة أخرى ربطت بين ما حدث في بغداد، وتوتر الموقف بين إدارة بايدن وحكومة روحاني على خلفية الملف النووي الإيراني، وعدم رفع العقوبات عن إيران حتى الآن، واعتبر من تبنى هذه القراءة استعراض القوة الذي نفذه أحد الفصائل الولائية، رسالة تهديد تمرر عبر حكومة الكاظمين لتصل لإدارة بايدن ومطالبتها بتخفيف الضغط عن طهران، القادرة عبر أذرعها على ضرب الوجود الأمريكي في المنطقة. فقد كتب الصحافي سرمد الطائي المعروف بمواقفه المنتقدة لطهران، تحليله لما جرى في صفحته على فيسبوك قائلا «بغداد تشم رائحة بارود. خيار المواجهة مع تمرد الميليشيات لم يكن على الطاولة أبدا لأن البلاد لا تتحمل قتالا داخليا مع خلايا الكاتيوشا. لكن الكاتيوشا هي التي ستقوم بالتصعيد، كما يقول أصدقاء إيرانيون للحكومة العراقية. طهران المعتدلة تنصح، إذا قاموا بالتصعيد حاولوا تحاشيهم، واذهبوا لبايدن كي يخفف من صوت القاذفات العملاقة فى الخليج، وسيتدخل حينها معتدلو إيران لتهدئة المتشددين في حرس الثورة». فهل كان الاستعراض مجرد صفحة طويت من صفحات الصراع السياسي المستعر في العراق؟ أم انه مجرد فاتحة لصفحات من الصراع المتأجج قبيل الانتخابات المقبلة؟

صادق الطائي
كاتب عراقي

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences