الأردن وإمكانية صمود «سفينة أبو عودة»
الشريط الإخباري :
تساؤلات كثيرة تتردد في الأردن اليوم مع استعصاء الأزمة، وأهمها: هل نحن فعلا داخل الحائط ولا مجال للمغادرة إلا من الجهة الأخرى؟… هل يمكننا وطنيا أن نطبق قواعد الاشتباك على طريقة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وهي تقول: «الخروج بدون احتكاك»؟
من الصعب تخيل إمكانية مغادرة الأزمة والاستعصاء بالطريقة «التقليدية» ولابد من «مغادرة الصندوق» إذا كنا جادين. وصعب الاستسلام لفكرة «مفيش فايدة» ولا توجد حلول والكرسي في الكلوب على طريقة الأعراس المصرية، ففي هذا الوطن والتراب ما يستحق أن ندافع عنه كأردنيين ونحاول من أجله، والاستسلام للسوداوية لا يمكنه أن يكون خيارا إذا توافرت قواعد حسن النوايا.
نتفق على خطأ النخبة والدولة… ولكن، الأهم من الاسترسال في التشخيص والتلاوم، من الضروري أن تبدأ ورشة عمل للخروج من الحائط بأقل قدر ممكن من الخدوش، فالدولة في النهاية هي «صورتنا» وهي «نحن»، والأخطر كما ذكر الشيخ مراد العضايلة في تأسيس فهم وطني قوامه: «أي عبث وضرر في الأردن يستثمره طرف واحد وهو اسرائيل».
عليه لا نختلف على الدولة حتى عندما نختلف معها، ولسنا أصلا بصدد أي محاولة للعيش خارج «رحم الهوية الهاشمية»، فعنوان الشرعية الدستورية لبلدنا وشعبنا واضح للعيان ونحن جميعا داخل الحائط.
وعليه لنتفق أولا على أن بعض الطروحات والأفكار والسلوكيات العبثية هي الأخرى حيث لا يمكن الرد على «العبث الرسمي» او البيروقراطي او حتى الأمني بعبث سياسي واجتماعي وشعبي وحراكي. ولا يمكن مواجهة مظاهر «الولاء المسموم» الذي يحيط بحديقتنا الوطنية كالعشب الضار بمظاهر انسلاخ عن الواقع الموضوعي دستوريا ومؤسساتيا وشرعيا وإلا تترصدنا أزمات تبدأ بلا نهاية لأن «العدو والخصم» أيا كان سيخترق من جبهات مماثلة.
بالمقابل تراكم الأخطاء لا يمكن تحميل مسؤوليته للمواطن والشعب ومواجهة الاستعصاء تبدأ حصريا من الاقرار والاعتراف بأن «الاتجاه» برمته اتضحت بوصلته المعتلة بالخطأ البصري مما يعني ضمنيا أن البداية من هنا… حيث تعديل الاتجاه بناء على الرؤية الجديدة.
كان لافتا موقف النائب الدكتور خير ابو صعليك وهو يحذر في نقاش وجاهي من كلفة الإصرار على مواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية الخطرة مرحليا بنفس «طريقة التفكير القديمة» أو حتى بنفس الأدوات.
في هذا الوطن والتراب ما يستحق أن ندافع عنه كأردنيين ونحاول من أجله، والاستسلام للسوداوية لا يمكنه أن يكون خيارا إذا توافرت قواعد حسن النوايا
ابو صعليك يحدد منطلق المشوار بالإشارة إلى ما أعتقد أنها «مجازفة»، وعلى الدولة والنظام الاستعداد فعلا لدفع كلفتها، وإلا ستتحول الخدوش ونحن داخل الحائط إلى «التهابات مزمنة» يتراجع بعدها كل شيء.
تلك المجازفة تبدأ بالإقرار بالحاجة الملحة لتشكيل «فريق وطني محترف» يتولى إدارة المرحلة الصعبة.
ما الذي تعنيه عبارة «طاقم وطني» في الحالة المحلية الأردنية؟ هنا لابد من التحذير مسبقا من أن الحديث عن فريق وطني لا يعني طبعا ودوما المساس بوطنية الرموز التي تدير العرض الآن، ولا يعني خدش وطنية من أدار العروض في الماضي طوال عقدين.
لا ينبغي أن نشكك بمن خدم في الماضي، لكن الحاجة أكثر من ضرورية الآن حفاظا على صمود سفينة عدنان ابو عودة (كان صرح أن الأردن على متن سفينة تغرق) واصفاً المسار الذي تسلكه السياسة الداخلية في الأردن بـ«الخاطئ». وسط الأمواج المتلاطمة لطي صفحة التلاوم والتشكيك والتطلع للمستقبل بدون تكلف ولا تجارب وبعيدا عن الاستعراضات واعتبارات المحبة والكره الشخصية وبدون تخوين أو تكفير أو علبة اتهامات.
ما الذي يعنيه ذلك؟… يعني ببساطة واختصار الانتباه في بلد مثل الأردن، (الفرد فيه طرف اساسي بكل شيء) لضرورة التعامل مع الحائط اياه بصيغة «حالة طوارئ» تتطلب فريقا وطنيا فعليا قادرا على إدارة المرحلة والخروج بأقل الخسائر بعيدا عن ثلاثة اعتبارات أساسية موسمية تسببت بالمأساة اصلا.
وهي.. «المحاصصة» و«الولاء الشللي المسموم» والاعتبار «الأمني» الذي يقوم بواجبه تماما لكن عليه أن يقر بدوره بالتنحي قليلا عن السيطرة والتحكم ولو لمرحلة مؤقتة لصالح «تمكين» فريق وطني محترف ومهني من العمل ولعامين على الأقل.
من غير المرجح أن يقبل المنطق الأمني بذلك، ولكن على القرار السياسي المرجعي هنا أن يتحرك، لأن كلفة الاستدراك اليوم أقل بكثير من ثمنه غدا أو بعد يومين أو الأسبوع المقبل.
ليس صحيحا إطلاقا أن الحالة النخبوية الأردنية «عقيمة» وبأن أزمة الادوات أفقية. برأيي الشخصي أزمة الادوات والنخب عمودية وتخص دوائر القرار فقط وفي المكونات وخصوصا الحزبية والنقابية والعشائرية من هم وطنيون جدا وللغاية من الذين يمكنهم القيام بالواجب وحماية الدولة والنظام ومغادرة الحائط بأقل احتكاك ممكن.
لو كنت- لا سمح الله طبعا- بموقع من ينصح ويوصي صاحب القرار لجمعت طاقما من أعتى الملاحظين وأصحاب الرأي المستقل المهني غير المشكوك بنزاهتهم الشخصية والوطنية بمعية بعض أعتى المعارضين ولحملتهم كلفة المسؤولية والادارية وفورا وبدون انتظار الفيلم الهندي الطويل باسم «حكومة أغلبية برلمانية» قد تولد متأخرة ومشوهة وكذلك بدون انتظار انتخابات من الصعب أن تنظم بدون تدخل وعبث.
طاقم من هذه الفئات فقط يضم ايضا من «أخرجوا من جنة الدولة» بسبب جديتهم وصلابتهم ومناكفاتهم، هو وحده الكفيل بالمهمة التي يمكنها اليوم أن تشبه الممثل الأمريكي توم كروز في افلام «المهمة المستحيلة».
من صنفتهم الدولة بـ20 عاما بالخصومة من رجالها ورموزها يمكن تجربة التيار العكسي عبرهم بحالة يخدش فيها عملاق الترهل والفساد والاستعصاء.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»