فراغ إداري خطير
الشريط الإخباري :
سلامة الدرعاوي
مناصب عدة في الدولة شاغرة، بعضها تجاوز العامين، ولغاية الآن لم ينظر في ملئها حسب الأصول، الأمر الذي يعطي انطباعات ومؤشرات سلبية في عدة اتجاهات كُلّها تقع تحت ما هو التفسير المنطقي لهذا التقاعس في التعيين.
من يصدق أن دائرة الأراضي والمساحة منذ عامين وهي بدون مدير عام أصيل، واللوازم هي الأخرى منذ ثلاثة أشهر بمدير بالوكالة، والجمارك منذ ما يقارب الشهر هي الأخرى بالوكالة.
أمين عام وزارة التخطيط منذ أكثر من عامين شاغر، وانضم اليهم مؤخرا أمين عام وزارة الصناعة، وكذلك مدير المؤسسة الأردنيّة لتطوير المشاريع الاقتصاديّة، وهيئة الإعلام المرئي والمسموع وغيرها من المناصب الإدارية القياديّة العليّا الشاغرة منذ أشهر وأسابيع، ولا يجد أحد تفسيراً لعدم التعيين إلا أحد السببين التاليين:
الأول: أن تلك المناصب القياديّة في مختلف المراكز الرسميّة السابقة ليست ذات أهمية كالتي نعرفها جميعاً، أي أن تلك المؤسسات تسير بشكل طبيعيّ في عملها حتى دون وجود مدير لها.
شخصيا أعتقد أن هذا السبب قد يكون غير منطقي، ولا يدخل في حسبان الحكومة وراسم السياسة، فالقيادات تلعب دوراً رئيسيّاً ومهماً في النهوض بتلك الهيئات والمؤسسات وتنفيذ السياسات الرسميّة بالشكل المطلوب.
ثانيا: إنه فعلا لا يوجد من هو مؤهل من الكادر الرسميّ في القطاع العام لتولي هذه المناصب، وأن أصحاب القرار لا يتعجلون في ملء تلك الشواغر ما دام المتقدمون لها لا يستوفون الشروط التي وضعتها الحكومة لملء تلك الشواغر، وبالتالي لا داعي للاستعجال في مسألة التعيين إلى حين اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب.
في اعتقادي إن السبب الثاني قد يكون أكثر منطقياً ومبررا لعدم تعيين الشواغر في تلك المناصب رغم الضغوطات والواسطات الكبيرة التي تتعرض لها الحكومة يومياً من مختلف الجهات لتعيين تلك الشواغر القيادية.
نعم للأسف قد لا يكون هناك كوادر إدارية قياديّة جاهزة لتولي دفة زمام إدارة تلك الوزارات والهيئات، فالصف الثاني في الدول في حالة تراجع مع كُلّ أسف.
أقولها بصراحة، إن القطاع العام تعرض لعملية إجهاض لكافة كوادره ذات الكفاءة العاليّة بسبب السياسات والإجراءات والخطط الحكوميّة المختلفة التي جرى تنفيذها تحت حجة ومظلة الإصلاح الإداري، والحقيقة المؤسفة التي كانت تحدث هو أن ما كان يجري هو في الواقع تصفية منظمة ومبرمجة للقطاع العام الذي تسلّل إليه عشرات الآلاف من الموظفين بواسطة قوى الدفع المختلفة من أصحاب نفوذ من نوّاب ووزراء وشخصيات مختلفة تجاوزت معايير التعيين الأصلية التي تستند للكفاءات والعدالة والخبرات، إلى الواسطات والمحسوبيات.
هؤلاء الذين تسللوا للقطاع العام خلال السنوات الماضية باتوا اليوم في مناصب قيادية بحكم النظام الإداري الرسميّ المتبع في الخدمة المدنية والذي يمنح الترقيات والترفيعات مع مرور الزمن بعيدا عن التقييم المستند للأداء والتميز والإبداع، وبالتالي لا عجب من تريث أي مسؤول يريد ان يملأ شاغرا لديه بالاستناد إلى الكفاءة، لأنه سيعاني بكل تأكيد من صعوبات كبيرة في اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب.
الحكومة تحصد اليوم ما زرعته حكومات سابقة تواطأت مع مجالس النوّاب المختلفة وقوى نافذة زرعت كوادر وظيفيّة غير مؤهلة لقيادة القطاع العام، من أبرزها خطة إعادة هيكلة القطاع العام التي أقرت في العام 2011 والتي كلفت خزينة الدولة لغاية يومنا هذا ما يزيد على الـ520 مليون دينار، بعد ان كانت تقديراتها الأولية تشير إلى أنها لن تتخطى حاجز الـ82 مليون دينار.
الأمر لم يقتصر على تداعياتها الوخيمة على الخزينة والتي تحملتها جيوب المواطنين والتي في اعتقادي الشخصي تعتبر أكبر قضية فساد في تاريخ الدولة مرّت دون حساب لمن قام بهذا الجرم الخطير بحق الاقتصاد الوطنيّ، لكن الأمر طال كُلّ الكفاءات التي بقيت في القطاع العام، حيث خرجت معظمها إما بالتقاعد المبكر أو من خلال الاستقالات والهجرة للعمل في الخارج، ولم يبق في الجهاز الرسميّ سوى ما تعيّن عن طريق ديوان الخدمة المدنية او من تسلل للقطاع العام بواسطة باراشوتات الواسطات والمحسوبيات، وهؤلاء تم ترفيعهم وترقيتهم وزيادة رواتبهم بحكم نظام الحوافز الذي أقرته تلك الخطة المشؤومة لتصفية القطاع العام.
لا عجب أن نرى اليوم كُلّ وزارات ومؤسسات الدولة تطالب باستثنائها من نظام الهيكلة من أجل السماح لها بتعيين خبرات خارج نطاق موظفي الدولة الحاليين، فالأمر بات صعبا على المسؤولين في الاعتماد على ما هو موجود مع كُلّ أسف، فالقطاع العام بحاجة لنسف خطة إعادة الهيكلة وإلغائها والسماح بالتعاقد مع الخبرات الخارجيّة لدعم عمل تلك الوزارات والسير حقا في مسألة الإصلاح.