القدس التي تنتصر كل يوم
في القدس مَن في القدس إلا أنت.. بيت شعريّ للشاعر الفلسطينيتميم البرغوثيتستحضره العقول في مشاهد القدس الجميلة، جميعنا نعنون صورنا بهذا النص عندما نستطيع الوصول إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى، ولمن لا يعرف، فإن الفلسطيني ممنوع عليه دخول القدس إلا في حالات قليلة جداً، أبرزها في شهر رمضان المبارك وفي أيام الجمعة فقط، لذلك نجد الفلسطينيين من كل حدب وصوب يصلون القدس ويتعطشون للسجود على ترابها، في دلالة على قدسية هذا المكان واستثنائيته في أذهان المسلمين الذين يدافعون عن هذه المدينة بأرواحهم، لأنها جزء من عقيدتهم الإسلامية، فلا خير في مسلم لم يدافع عن القدس بما يستطيع.
حاول الاحتلال الإسرائيلي فصل القدس عن الفلسطينيين من خلال منعهم من الوصول إليها، وكذلك إحاطتها بسور يعزلها تماماً عن باقي سكان الضفة الغربية المحتلة، ما يعني أنه استفرد بالقدس والمقدسيين، فضلاً عن محاولاته العدوانية المستمرة لإفراغ أهلها منها من خلال التضييق عليهم في معيشتهم وأرزاقهم ونمط حياتهم، ويفرض عليهم ضرائب باهظة جداً أو هدم منازلهم لإرغامهم على تركها والعيش في مناطق تتبع للسلطة الفلسطينية، ما يعني فقدان حق عيش المقدسي في منزله وأرضه، وسيادة الاحتلال الصهيوني عليها.
ولكن كل هذه المحاولاتتسقطأمام غضب شباب القدس الثائر، تسقط اعتبارات الاحتلال وقوته العسكرية أمام عيون المقدسي عندما يشعر بأن أرضه وقدسه وكرامته مهددة من جندي أرعن يختبئ خلف سلاح ناريّ متطور، فتجدهم يسترخصون الأرواح في سبيل الذود عن القدس وحمايتها، فالقدس ما خنعت لمغتصب وبداره ما فرّط الأسد.
منذ الأول من رمضان حاول الاحتلال فرض سياسات جديدة على المسجد الأقصى المبارك تهدف لتقليل أعداد المصلين فيه وكذلك أسلوب التفتيش وفق الشكوك للشباب المقدسي ومحاولات الاعتداء على الشباب ما جعل الأحرار ينتفضون بصورة عنيدة جداً، في وجه الاحتلال، انتفاضة أو ربما ثورة شعبية يقودها الشباب المقدسي يعلنون فيها رفضهم للاحتلال أولاً وأخيراً، رفضهم لكل ممارسات سلب الهوية المقدسية منهم وحرمانهم من حق الصلاة في الأقصى، وفرض معادلات يكون المقدسيّ فيها لاعباً أساسياً في استرجاع حقٍ مسلوب اسمه "فلسطين وعاصمتها القدس العربية" بكامل ترابها.
لفتني في مقاطع الفيديو للشباب المقدسي الثائر أن جندياً صهيونياً يطلب من الأحرار عدم إحداث انتفاضة مقابل السماح لهم بالدخول إلى الأقصى والصلاة فيه، بقوله "شباب تخربوش رمضان، رمضان إلكم مش إلنا" ولكن رد الأحرار كان بالأفعال لا بالأقوال "إحنا هيك بنحب نعيش رمضان بشعور الصائمين والمرابطين والثائرين والفاتحين والمنتصرين، والقدس برضو إلنا مش إلكم".
مما يعني أن الحاصل في القدس الشريف يبعث روح الأمل لدى الشعب الفلسطيني، ما جعل الشباب الفلسطيني يخرج إلى مواجهات مع الاحتلال في مختلف محافظات الوطن متخذين من شباب القدس عزائم الرجال، يشاطرهم في ذلك شباب غزة ومقاوموها الذين يواجهون الاحتلال بنديّة عنيدة منذ أعوام، حيث تبدع المقاومة كل مرة في أن تفاجئ العدوّ الذي يحاصرها بجميل فعلها وإبداعها العسكري الذي بات يخشاه الاحتلال وأعوانه.
لا شك أن الاحتلال ومنذ استعماره لأرضنا يعمل على تفريغ القيم الوطنية من الجيل الشاب، حتى يلهيه عن الهدف الأسمى وهو تحرير الأرض فلسطين بكامل ترابها دون الخضوع لمعاهدات الذل والخنوع التي وقعتها سلطة أوسلو والدول العربية جمعاء، ولكن الشباب الفلسطيني الواعي لا يفتح الطريق أمام الاحتلال إلا لزواله، أما الطرق الأخرى فهي مؤصدة بعزيمة النضال حتى التحرير، وعزيمة القتال دون خوف ووجل، وعقيدة الكرامة الفلسطينية المعهودة في التاريخ منذ الأزل، فالفلسطيني دوّنه التاريخ ثائراً على مرّ العصور، ولن يهادن لحفنة استعمار سيزول كما زال الاستعمار على فلسطين من قبله.
باختصار، إن القدس رأس حربة نضالنا وعموده الفقري، فلا فلسطين دون القدس العربية، ولا استقلال إلا باسترجاع كامل الحق الفلسطيني من أرض وثقافة وتاريخ.
القدس تقبّل أفئدة شبابها، القدس تحتضن أحرارها، ومَن يقف في صفّ الاحتلال ضد القدس فهو خاسر حتماً وأبداً.