الأردن: الرفاعي بين «الألغام» والسؤال المهم «مين إحنا؟»
الشريط الإخباري :
أثار تشكيل لجنة وطنية لتحديث «المنظومة» عشية المئوية الجديدة للدولة الأردنية جدلاً مبكراً وواسع النطاق على أكثر من صعيد، خصوصًا بعدما قرر القصر الملكي تكليف رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي برئاستها.
وتشير خريطة «التمثيل» في تركيب وتكوين اللجنة إلى العديد من الاعتبارات التي حكمت، على الأرجح، أربع شخصيات مركزية ساهمت في وضع أسماء الأعضاء وهندستها على نحو مثير قبل التشاور والتنقيح. عملياً، غلب على طابع تشكيل اللجنة وجود عدد كبير من ممثلي ما يسمى بـ«اليسار الحكومي».
خلطة الـ «92» تعني الكثير مع مخاطر «مهمة معقدة»
والمقصودون هم يساريون وتقدميون بخلفيات نضالية وقومية أصبحوا جزءاً من حسابات الدولة الأردنية منذ فترات ما بعد الربيع العربي، وهؤلاء وجودهم لافت وبكثافة عددية في لجنة الرفاعي، وبالتوازي مع وجود لافت أيضاً لعناصر النشطاء في لجنة المبادرة البرلمانية من أيام البرلمان السابق برئاسة الدكتور مصطفى الحمارنة. وتم تطعيم اللجنة أيضاً بنخب نقابية وإسلامية متعددة، ويوجد عدد معقول إلى حد ما ممثل للتيار الإسلامي، وروعيت الاعتبارات الاجتماعية، بما في ذلك تمثيل العشائر والقبائل ومناطق البادية إضافة إلى المخيمات.
أجندة لجنة الحوار الوطني التي تحظى بغطاء ملكي ويديرها قافزاً بين العديد من الألغام مخضرم من وزن الرفاعي، تم تحديدها سلفاً من حيث النهايات والنتائج وضمانات التعامل إجرائياً مع تلك النتائج. وغاب عن التمثيل جميع الوزراء والنواب والأعيان وحزب يساري عريق هو حزب الوحدة الشعبية، ولا يوجد تمثيل للقوميين والبعثيين، لكن ما تبقى من الحزب الشيوعي الأردني حظي بمقعد واحد في لجنة الـ«92» جلس فيه القيادي العريق فرج إطميـزي.
أيضاً المحاصصة المناطقية والقبلية كانت حاضرة بقوة، والتشبيك في التمثيل كان ملموساً بين اليسار الجديد في الساحة، ونشطاء التيارات المدنية والمنظمات الأهلية الممولة.
ما لم يتضح بعد حتى الآن هو أجندة النقاشات وكيفية إدارتها والسقف المتاح لأعضاء اللجنة، خصوصاً نشطاء الخلفيات السياسية والتيار المدني إذا ما قرروا تجاوز التعليمات المحددة لعمل اللجنة، بمعنى المغادرة ولو قليلاً بالمسافة عن الأوراق النقاشية الملكية أو العمل على اقتراحات جديدة خارج وظيفة وواجبات اللجنة، كما حددتها رسالة الملك للرئيس الرفاعي.
وتلك قد تكون مجازفة تؤدي إلى صدامات واحتكاكات وتجاذبات داخل اللجنة. خلافاً لذلك، توجد أسماء معروفة بالمناكفة، وأخرى محسوبة على التيار العشائري، وشريحة لها علاقة بالأكاديميين، وأخرى لها علاقة بنشطاء الحقوق المدنية وتمدين الدولة، وتلك خلطة مع وجود 92 عضواً، قد تبدو السيطرة عليها أشبه بمهمة شبه مستحيلة.
وبالتالي، تفريغ هذه اللجنة العريضة وتقسيمها إلى ثلاث لجان قد يكون الأسلوب الأمثل المقترح لتقاسم وتبادل الواجبات، لكن المهمة التي يقودها الرفاعي بدبلوماسيته المعهودة وقدراته على التأثير في الدولة العميقة ستكون محفوفة المخاطر وستخضع لاختبارات كبيرة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن عدد أعضاء اللجنة أعرض مما ينبغي وأقل رشاقة، فيما سقف العمل أصبح واضحاً مع ضمانات ملكية.
وما هو ليس واضحاً حتى اللحظة، هو كيفية إدارة النقاشات واحتواء التجاذبات داخل اللجنة، والصعوبات التي ستنتج عن مرحلة زمنية قصيرة قوامها ستة عشر أسبوعاً فقط.
طبعاً، لم يعرف بعد ما إذا كانت اللجنة ستجيب على الأسئلة العالقة في وجدان وذهن الجمهور الأردني بمختلف تكويناته وتلاوينه. ولم يُعرف بعد كيف ستصوغ قرارات واتجاهات ومشاريع اقتصادية الطابع تحت عنوان جذب الاسـتثمارات واحتوـاء أزمة البطالة التي وصلت في قطـاع الشـباب مؤخراً إلى 50% على الأقل.
عملياً، لا تملك اللجنة عصا سحرية، ولكن هذه اللجنة تعبير عن محاولة محفوفة بالمخاطر هذه المرة إذا ما أخفقت في إقناع الشارع الأردني ولأي سبب.
منسوب المخاطر مرتفع جداً، وترافقه حملة تشكيك مسبقة باللجنة التي قابلها الشارع عموماً بكل برود وبدون توقعات كبيرة، وحتى دون سقف توقع له علاقة بالمهام التي أناطها القصر الملكي باللجنة، الأمر الذي يؤسس لتحديات كبيرة أمام الرفاعي ورفاقه في لجنة عريضة بطيئة الحركة، حجم التباين في تركيبتها كبير جداً ومن الصـعب السـيطرة عليه.
والأهم لجنة عريضة ولدت في ظرف حساس وضمت عدداً كبيراً وملحوظاً من ضحايا هندسة الانتخابات الأخيرة، واستعانت بوزراء سابقين، ولديها أفكار وطموحات، ووجدت في ظرف دولي وإقلـيمي صـعب وحسـاس جداً على أعـتاب متغـير كبـير يمر به الملف الفلـسطيني.
وهو بطبيعة الحال متغير لا يمكن إسقاطه من الحسابات ببساطة، وقد يحشر اللجنة في العديد من الاستنتاجات سياسية الطابع والمتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، خصوصاً إذا قررت اللجنة من داخلها -ويبدو أن لديها الضوء الأخضر لذلك- تجربة الإجابة على أهم الأسئلة الأردنية العالقة وطنياً، وهو سؤال الهوية الوطنية الأردنية بتعريف نصي واضح. وقد بدأه فعلاً، قبل تشكيل اللجنة، عضوها نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، على هامش حوار مع القصر الملكي بدا خلال مداخلته قائلاً بأن «آن الأوان لمعرفة من نحن وما الذي نريده في المملكة الأردنية الهاشمية».
أمام النقيب الزعبي الآن فرصة داخل لجنة بغطاء ملكي لمحاولة تعريف الهوية والإجابة على السؤال العالق، لكن ذلك لا يعني أن اللجنة بقيادة الخبير الرفاعي ستعمد إلى توصيات ووصفات وصفقات على أمل التنقل بين سلسلة من الألغام التي لا يمكن الاستهانه بها.
بسام البدارين
القدس العربي