برقية من خروف إلى صديقه
الشريط الإخباري :
الدكتور: رشيد عبّاس
بعد أن كانا صديقان خلف احد الحواجز الحديدية على احد جوانب الشوارع الرئيسية العامة لضواحي عمان والمخصصة لبيع الأضاحي, مضى الأول في طريقه إلى عمان الغربية, وبقي الآخر ينتظر وما بدّل تبديّلا, وما كان من الخروف الأول وبعد أن وصل محطته الأخيرة عمان الغربية إلا أن بعث وعبر الواتس اب ببرقية إلى صديقة الذي ما زال متواجد ينتظر مصيره خلف الحاجز الحديدي الذي كانا فيه, وقد جاء فيها:
بعد التحية, وكما تعلم يا صديقي العزيز فبعد أن توقفت سيارة جيب فارهة سوداء اللون مظلّلة أمام الحاجز الحديدية الذي كنا متواجدين فيه على جانب احد الشوارع الرئيسية, وبعد أن نزل منها رجل ستيني مبتسماً واضح الملامح وبعد أن تجوّل بين صفوفنا وقع الخيار كما تعلم صدفةً عليّ, وعلى الفور قام هذا الرجل بدفع ثمني للتاجر دون تردد أو مفاصلة وطلب من صاحب الحظيرة أن يحملني بلطف وعناية ويضعني في سيارته من الخلف, وانطلق غير مسرعاً إلى منطقة عمان الغربية وبالذات الرابية, وفي الطريق سمعتُ صوت موسيقى أجنبية وكأنها مقطوعة لـ(بيتهوفن) بطريقة هادئة جداً تبعثُ عل الاطمئنان والسكينة.
بعد أن وصلنا إلى الفيلا التي كان يسكنها, أدخل السيارة إلى الكراج المحاط بالورود وأوقف الموسيقى وطلب من الحارس والخادمة إنزالي بهدوء وتروي إلى حديقة الفيلا الخلفية والعمل على ربط يدي اليمنى بلطف بحبل قطني ناعم في جذع احدى اشجار المشمش بجانب نافورة الماء التي كانت تعمل على سقاية أرضية الحديقة العشبية حيث كانت تعمل هذه النافورة متزامنة مع موسيقى كلاسيكية ناعمة, لم ارى احد من الجيران..الكل مشغول بحاله, ولم أسمع أصوات زمامير السيارات, كانت روائح الأزهار تحفني من جميع الجهات, وكان عشب الحديقة نظيف للغاية, وكانت ثمار الأشجار الناضجة تتساقط من حولي مع نسائم المساء..ولا أبالغ أن قلت لك حتى الأعشاب الهولندية المجففة طلبوها لي عن طريق خدمات الدليفري.., متمنياً يا صديقي العزيز أن يتأخر العيد شيء من الوقت كي اعوّض ما فاتني من عذاب الراعي والتاجر.
وبعد,
بلّغ سلامي لجميع الخراف هناك فانا بخير وأتمتع بصحية جيدة, وأخشى عليك أيها الصديق أن تتوقف سيارة مهترئة ليس لها لون واضح وليس لها ابواب ثابتة أمام الحاجز الحديدي الذي أنت متواجد فيه الآن على جانب الشارع الرئيسي, وأن ينزل منها رجل متثاقل, وبعد أن يتجول بين صفوفكم أخشى أن يقع خياره صدفةً عليك يا صديقي, ويبدأ يأخذ ويعطي مع البائع..ويفاصل بشدة متردداً بدفع ثمنك, وأخشى أن يسحبك ويقذفك في سيارته من الخلف ويطبق عليك الباب كصاعقة حطّت من السماء, لينطلق بك مسرعاً مذهلة إلى منطقة عمان الشرقية, وفي الطريق أخشى أن يضع لك أغنيته صاخبة جداً قد تكون (يا اللي بتحب النعنع هذا النعنع نعنعنا) والتي تبعث على ارتفاع حموضة المعدة.
وبعد أن يصل الى داره أخشى ما أخشاه, أخشى أن يربطك بسلك حديدي وبطريقة جارحة في احد أعمدة الكهرباء الموجودة أمام بيته, وأخشى أن تتجمع عليك كل أولاد الحارة حيث عطلة كورونا ليبدؤوا بإلقاء الحجارة والعصيّ وبقايا الخضار والفاكهة المعجّنة فوق رأسك وجسمك, كما وأخشى على غشاء طبلت إذنك أن تتمزق من زمامير سيارات شراء الخردة التي لا تنقطع هناك, واخشى ان يقدّموا لك ورق الجرائد والصحف المحلية كوجبات طعام إضافة إلى بقايا ورق الملفوف تلك التي تراكمت عليها جميع أتربة شوارع الحارة, وأن تُسقى يا صديقي العزيز بماء اختلطت معه أشواك الصبر..في هذه الحالة عليك يا صديقي أن تتمنى تقديم العيد شيء من الوقت كي لا تتحسر أكثر على أيام الراعي والتاجر الماضية.
لكن يا صديق العزيز في نهاية الأمر وكـ(خراف) سنتعرى أنا وأنت أمام الجميع, وستنكشف عورتنا لهم, وسيكون جزء من أطرافنا المتعبة على مائدة الفقراء والمحتاجين فقط, وبعد ذلك سينام الراعي والتاجر ليلهم الطويل.., انتهت البرقية.
بقي أن نقول: إلى أي مدى حقوق خراف الأضاحي وأكباشها مرسّخة في عقولنا؟ الجواب في إعادة فهمنا وإدراكنا لقوله تعالى: (وفديناه بذبح عظيم).