رمزية الملك .. ومؤسسات تضع الوطن على صفيح الغضب
الشريط الإخباري :
زهير العزه
يجهد جلالة الملك عبد الله الثاني بالعمل على تحسين صورة وأداء المؤسسات الاردنية داخليا، وصورة الاردن أمام العالم خارجيا ، وهو الحاكم العربي الوحيد الذي ينفرد بهذه الميزة، ما جعله محط إجماع المحبة لدى شعبه ، ومحط إعجاب قادة العالم ، وما زيارته الان الى الولايات المتحدة الامريكية الا جزاء من هذا الحراك الذي يبذله جل وقته في سبيل هذا الهدف وهذه الغاية.
لكن في المقابل ، فإن أداء العديد من المؤسسات هو من يضرب هذا الجهد ويلحق الضرر بما يبذله جلالة الملك ، لأن فشل القائمين على بعض المؤسسات في انجاز أو تحقيق ما يصبو له جلالة الملك ينعكس سلباً على ما تسعى له الرؤى الملكية في سبيل خدمة الانسان الاردني ، او في ضبط صورة الوطن الناصعة امام العالم .
منذ سنوات طويلة ومنذ أن قادتني رحلة الحياة الى مهنة المتاعب ، والى الهم العام المحلي والعربي ، وكلما التقيت بأحد السياسيين أو الاعلاميين الغربيين أو العرب كان سؤالاً واحد يكاد يكون ركيزة لكل الحوارات الجانبية بيني وبين من التقيهم وهو كيف استطاع الاردن أن يتجاوز امتحانات الوجود ومحن الصراعات الداخلية والخارجية ، بينما عصفت المحن والصراعات الداخلية والخارجية بدول عربية وبدول أخرى في الشرق الوسط؟ وبالطبع كان الجواب سهل وبسيط من خلال ما عايشناه كأردنيين.... ، وهو حكمة قياداته من بني هاشم الذين ادركوا ان حدود الاردن مقيمة على حد الزلازل والبراكين في كل معانيها ودلالاتها ومفاعيلها ، من المؤامرة على الثورة العربية الكبرى وما تبعها من مؤامرات على الحكم الهاشمي في سوريا والعراق عربيا ودوليا ومن ثم نشوء الكيان الغاصب على أرض فلسطين ، الى الصراعات العربية العربية ، وحتى التآمرية على العرش الهاشمي "ومن ثم على الدولة الاردنية بعد تأسيس الإمارة" ، والتي أمتدت منذ أن أعلن الشريف الحسين ثورته على ظلم الاتراك العثمانيين وحتى الان ، ولذلك كان حكام الاردن يختلفون عن أقرانهم من حكام العرب ، حيث وضعوا نهجا ما يشبه الايمان أو العقيدة وهي "فريضة" خدمة الأمة لا "التسيّد" عليها ، فكان قرار التشاور ومن ثم المشاركة في صنع القرار من خلال نواب الشعب علامة فارقة للدولة الاردنية في دول ما بعد إنهيار السلطنة العثمانية ، وهذا الامر مستمر في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني الذي عزز ما ورثه من أجداده وخاصة في مجال سياسة التسامح والرحمة، ومساعدة المحتاجين ورعاية المحرومين ودفع البلاء عن أهل العوز، والامثلة على مبادرات جلالة الملك كثيرة ،إضافة الى إهتمامه الشخصي بالنهوض بالاقتصاد الوطني وخاصة في مجال الاستثمار الخارجي لفتح المجال واسعا لمحاربة البطالة ، وتعزيز قدرات الاردن الدفاعية ، والاهتمام بالانسان من حيث التعليم والصحة .
اليوم وأنا اقرأ عن مبادرة قامت بها مجموعة عمان لحوارات المستقبل عنوانها "تعزيز رمزية الملك"، اصبت بصعقة لا تقل قوتها عن صعقة الفشل الذي أصاب ويصيب مؤسسات وثق جلالة الملك بشخصيات من تولوا إدارتها لكنهم خذلوه ، وبعيدا عن شخصية رئيس مجموعة عمان الاستاذ بلال التل والذي أكن له كل الاحترام وكنت قد تعرفت عليه قبل ما يزيد عن ثلاثين عاما من خلال صديقي وصديقه المرحوم معالي الدكتور جمال الشاعر، وبعيدا عن شخصية الذين شاركوا في الجلسة الحوارية بالرغم أنني ومعي العديد من الاردنيين ننظر لبعضهم كعنوان من عناوين الفشل الذي وصلت اليه الادارة الحكومية خلال العقود الماضية ، فانني استغربت واستغرب من مثل هذا الطرح ، وذلك لان تعزيز رمزية جلالة الملك غير مطروحة وهي غير معرضة للتشكيك بالرغم من أصوات بعض " الذر " المتسيدة المشهد الخبيث في وسائل التواصل الاجتماعي والتي وفرها غياب منظومة إعلامية رسمية عاجزة عن الدفاع عن رسالة الاردن وجهود جلالة الملك التي يبذلها في سبيل رفعة الاردن وتقدمه .
إن رمزية جلالة الملك ومحبته وهيبته هي في قلوب الغالبية العظمى من الاردنيين البسطاء الذين إن سمعوا صوت جلالة الملك أو شاهدوه في شارع ما أو مؤسسة ما، تراكضوا مندفعين نحوه من أجل حمله على الاكف والاكتاف، وأن أمرهم للقيام بفعل شيء ما، أعتبروا أمره "فرض عين" على كل فرد منهم ،لذلك أنا إستغربت من مثل ما طرحته مجموعة حوارات عمان حول رمزية الملك .
إن أداء مؤسسات الدولة من حكومة تنفذ ما كلفها به جلالة الملك، وتقوم على رعاية مصالح غالبية الاردنيين، وليس مجموعة المتنفذين وأصحاب المصالح، وتلغي الشللية من أدائها وتترفع عن تعيين المقربين أو الاصدقاء أو المدعومين من جهات أو مؤسسات التدخل في شؤون الحكم في مواقع كالسفارات مثلا ،وأن يكون أداء الديوان الملكي "بإعتباره بيت شعر الاردنيين" من رئيسه ألى أصغر موظف فيه يقوم على رعاية كل محتاج أو من لجاء الى الديوان الملكي مستجيرا أو مستغيثا،لا التحكم برقاب العباد على قاعدة "انا المتنفذ وافعل ما يحلو لي" ، وأن يكون أداء مجلس النواب خالصا لصالح الشعب وليس كما حصل ويحصل الان ، فالمجالس النيابية المتعاقبة فشلت في ادائها إما بسبب القوانين التي افرزتها أو بسبب التدخلات التي أدت الى إفراز نواب وفق مصالح هذه المؤسسة أو تلك والتدخلات في بعض قرارات هذه المجالس، وهذا ينطبق على أداء الوزارء ومدراء المؤسسات الحكومية والتي بمجرد تعيين الوزير او المدير العام يشعر ان أكتافه" لا تحمل رأسه"، او أنه "رأى ظله قد سبقه فاعتقد أنه اطول مما هي حقيقته"، وبالتالي يتعالى على الناس من عامة الشعب ،ما يؤدي الى فقدان الشعب ثقته بمؤسسات الدولة وتنعكس على رأس الهرم في نظام الدولة، نعم كل ذلك يؤثر على الدولة لكنه في كل الاحوال لا يمس صورة ورمزية جلالة الملك المحفوظة في قلوب الاردنيين " بالطبع هذا يشمل كل الحكومات والموظفين السابقين ".
إن المطلوب من كل مؤسسات الدولة وسلطاتها هي أن تعمل لتغير سيئات الواقع، وان تمتنع عن تبرير العجز والفشل ، وأن تنقل الواقع مما هو عليه الان إلى ما يجب أن يكون عليه ، وهذا وحده ما يريح جلالة الملك ويجعله يشعر بالرضا ويريح الشعب الذي يتطلع دوما الى الحصول على خدمات الدولة بعدالة ووفق الاساس القانوني ،وهذا وحده يعطي للرمزية معنى أعمق .