القوانين.. العبرة في التطبيق

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
سلامة الدرعاوي

ليس صحيحا أن وجود قانون معين في قطاع ما يعني أن العملية التشريعية انتظمت في هذا القطاع، ولم تعد هناك حاجة قانونية جديدة، فالعبرة ليست بوجود القانون بقدر كيفية تطبيقه وتنفيذه من قبل الجهاز الإداري في الدولة وتعاملهم مع الأطراف الأخرى ذات العلاقة.
فقد يؤخذ افضل قانون لتنظيم عمل قطاع معين، ويكون على مستوى عالٍ من التقدم والإلمام بمعطيات الوضع، لكن تنفيذه يواجه صعوبة من قبل القائمين عليه، لأسباب عديدة ومختلفة، لذلك يبقى التشريع ناقصا وغير مكتمل مادام الجزء الأهم وهو التنفيذ غير مكتمل فيه.
نصيحة تلقيتها من صديق صاحب خبرة ومكانة اقتصادية عالية في المجتمع حول قانون الاستثمار بأن من الخطورة في مكان اختزال العملية الاستثمارية بتعديل القانون الحالي، وان هذا الأمر لا يعني بأن التدفقات الاستثمارية ستنهال على البلاد، وهذا كلام في غاية الأهمية، ويضع يده على مشاكل التشريع الجزئي التي باتت سلوكا عاما في السنوات الأخيرة، وافتقد كثير منها شمولية النظرة في المعالجة والتطوير.
فغالبية التشريعات التي صدرت في المرحلة السابقة كانت قاصرة على تعديل القانون بحد ذاته دون أن يواكب ذلك أي تعديلات على الأنظمة والتعليمات المرتبطة بذلك التشريع، فقانون الاستثمار الحالي والذي أُقر قبل اربع سنوات اصطدم بوجود 26 نظاما معمولا بها في مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة، وهو ما جعل تنفيذ القانون منذ البداية له عوائق إدارية وتفسيرات واجتهادات قانونية، جعلت من المنفذين أي الجهاز الإداري المعني يتخبط في تنفيذه نتيجة تفسيراته المختلفة ووجود الأنظمة التي جعلت الموظف أسيراً لها، وهو ما تسبب في ضبابية المشهد الاستثماري، وعدم القدرة على اتخاذ اختراق إيجابي كما كان القانون يهدف، لذلك فإن العناية التشريعية أصابها نقص كامل في استكمال لوازم التشريع المساندة له في التنفيذ.
وجود قانون عصري لا يعني ان الهدف سيتحقق مباشرة طالما بقي الضعف الإداري في القطاع العام مسيطراً على المشهد وإزالة العوائق التنفيذية له، فغالبية القوانين التي تُقر تصطدم بغياب التدريب والتأهيل للجهاز الإداري للتعامل مع ذلك القانون، وفتح باب الاجتهادات من جهة، ومزاجية المسؤول في تنفيذ القانون من جهة أخرى، فقانون الشركات خلال العقد الأخير عُدل أكثر من عشر مرات، وهذا أمر أثار استياء المستثمرين والقطاع الخاص، فالتعديلات المستمرة بهذا الشكل المتسرع مؤشر على غياب النظرة الاقتصادية في وضع التشريع المتكامل والشامل.
كثرة الحكومات والتعديلات الوزارية وتبدل المسؤولين في تقلد المناصب عامل مهم في إحداث التغييرات السريعة على التشريعات، فكُل حكومة تأتي أو مسؤول يستلم منصبا قياديا حكوميا يبادر في الطلب بتعديل تشريع لعمله تحت حجج ومسميات مختلفة دون التقييم الحقيقي لما يقوم به وتبيان الأسباب الموجبة للتعديل الذي يجب أن يكون ضمن رؤية حكومية شاملة تتناسب مع خططها.
للأسف غالبية التعديلات التشريعية التي حدثت في السنوات الأخيرة، كانت إما لتلبية متطلبات خارجية لها علاقة بطبيعة اتفاقيات التعاون بين المملكة مع المانحين والمؤسسات الدولية كالصندوق والبنك الدوليين، وإما كانت نظرة مجتزأة في الإصلاح التشريعي المبني على فردية القرار ومزاجية المسؤول، لذلك تشعر في كثير من الأحيان أن ذلك التشريع أو ذاك القانون صمم لخدمة مصالح جهة بحد ذاتها، ما يستدعي أن يتم تقييم العملية التشريعية وتقييم ما يحدث، وربطه "بخطة الدولة إن وجدت”، فالأساس ان تكون العملية التشريعية منسجمة مع أهداف كلية للإدارة التنفيذية في الحكومة.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences