تعاف مشروط
الشريط الإخباري :
سلامة الدرعاوي
خروج الاقتصاد الوطنيّ من حالة النموّ السالب (-1.6 %) خلال العام 2020 إلى الإيجابيّ (0.3 %) خلال الربع الأول من هذا العام، مؤشر مهم على أن محركات النموّ المرتبطة بالقطاعات الرئيسية بدأت تتحرك بالاتجاه الذي كانت عليه قبل عاصفة كورونا، لكن هذا لا يعطي دلائل اقتصاديّة بأننا تجاوزنا الأزمات وانتقلنا لمرحلة قطف ثمار النمو.
فمحركات النموّ قبل كورونا كانت بالأصل بطيئة، مدفوعة بعوامل استثنائية مرتبطة أساسا بتدفق المساعدات الخارجيّة بشكل أكبر مما قدّر لها في قانون الموازنة العامة، ومع ذلك كله كانت معدلات النموّ لا تتجاوز الـ2 % في أفضل حالاتها خلال السنوات العشر الماضية، وها هو الاقتصاد الوطنيّ يعود من جديد إلى هذه المعدّلات المتباطئة من النموّ مع تخفيض توقعات صندوق النقد الدوليّ لها من 2.5 % كانت مقدرة في العام 2021 إلى 2 % خلال العام الحالي.
تعافي الاقتصاد من النموّ السالب وبقاؤه في حظيرة معدّلات النموّ السالب يجعل من الحكومة أن تضع على رأس أولوياتها الإسراع في اتخاذ خطوات مهمة على صعيد تحفيز الاقتصاد والنهوض بالنشاط الاقتصاديّ المنتج والمشغّل للأيدي العاملة والمصدّر تحديدا.
هذه الخطوات وُجد بعضها في العرض الأولي الذي قدمته الحكومة مؤخرا لأولوياتها التنفيذية للعامين المقبلين، فبعض ما تحدثت به قد يساهم إيجابا في توسيع النشاط الاقتصاديّ لبعض القطاعات، لكنّ التحدي الأكبر الذي سيواجه الحكومة في الوصول لمرحلة ما بعد التعافي هو كيفية احتواء معدّلات البطالة التي تزداد فصلاً بعد فصل في ظل جمود القطاع العام على التعيينات، وفي ظل محدودية القطاع الخاص بوضعه الحالي أيضا على خلق فرص عمل جديدة، مع ضحالة فرص العمل في الخارج وتحديدا في دول الخليج العربي التي تطبق سياسات تشغيليّة جديدة تعطي الأولوية لمواطنيها.
أولى خطوات دعم التعافي الاقتصاديّ هو الحفاظ على النشاط الراهن للقطاع الخاص، من خلال تقديم التسهيلات والدعم الماليّ المباشر إن أمكن لتسيير أعمالها كالمشاركة في الرواتب والالتزامات المتعلقة بالكلف، مثل اشتراكات الضمان، وقد بدأت الحكومة في مثل هذا العمل بالمشاركة مع المؤسسة العامة للضمان الاجتماعيّ من خلال برنامج استدامة بكلف تجاوزت الـ100مليون دينار، واستفادت منه أكثر من 6500 منشأة، إلا أنه تم تقليص شرائح المستفيدين من البرنامج بصورته السابقة، ونقلهم لبرنامج آخر وهو استدامة التعافي الذي قلص من المشاركة الرسميّة في أجور الرواتب بعد استثناء عدد كبير من القطاعات التي كانت في البرنامج الأول، وهذا أمر أسرعت فيه الحكومة والضمان في نقل هذه القطاعات في هذا الوقت من برنامج استدامة الأساسيّ، لأن الكثير من الشركات المتضررة من كورونا وإن عادت للعمل فهي بأقل قدراتها الإنتاجية، متحملة كلفا كبيرة خاصة فيما يتعلق بالعمالة لديها والتي من المرجح أن تلجأ لتسريحات هيكلية بمجرد انتهاء العمل بقانون الدفاع الذي يشكّل الحاجز الأكبر أمامها في اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة.
أولويات الدولة الاقتصاديّة يجب أن تنحصر أساسا في دعم القطاع الخاص لتطوير أعماله الراهنة وبقدراته التشغيليّة، ومنح التسهيلات لكافة التوسعات الاستثماريّة والاقتصادية المختلفة في شتى القطاعات حتى تتمكن الحكومة أولا من الحفاظ على العاملين في الشركات والمؤسسات من جهة، وتفتح أبواب التوظيف من خلال أبواب القطاع الخاص الذي هو أساس العملية التنموية ويملك مفاتيح الحل الاقتصادي شريطة قيام الحكومات بالتسهيلات والحوافز المطلوبة لدعم نشاطه وتوسعاته المستقبلية، فالقطاع العام بات عاجزاً عن المساهمة الإيجابية في النموّ بوضعه الحالي المكلف على الاقتصاد والذي يتحمله أولا وأخيرا القطاع الخاص من خلال الرسوم والضرائب التي يدفعها لتوفير مخصصات القطاع العام واستدامة قدرته التشغيليّة.