سورية: تأهيل النظام بدلا من تغييره
الشريط الإخباري :
ماهر أبو طير
كل المعادلات في المنطقة تتغير، وتحديدا تأثيرها على الملف السوري، اذا يكاد يعترف كثيرون اليوم، ان كل المراهنات على اسقاط النظام السوري، قد فشلت بشكل مروع، برغم كل المحاولات.
ضعفت الدولة السورية، وتهشمت بنيتها الداخلية، وتشرد ملايين الاشقاء، وتعرض للقتل مئات الآلاف، وما تزال الحرب ناشبة في عدة مواقع، لكن النظام بقي كما هو، والمؤكد هنا عدم وجود تصور أميركي واضح بشأن النظام في دمشق، بعد تراجع الكلام عن إزالة النظام وتغييره، كما ان كل المعسكر العربي والدولي، الذي كان ضد نظام الأسد، تعرض الى تشظية كبيرة، فمن كان يريد تغيير النظام كله، او رأس النظام فقط، يتمنى اليوم استعادة العلاقات الدبلوماسية فقط.
يمكن بكل بساطة قراءة الانقلابات في العلاقات العربية والإقليمية، فمن كان عدوك، لم يعد، ومن لم يكن قريبا منك بات قريبا منك، والامثلة على ذلك كثيرة، على صعيد مصر، مثلا، او علاقات الاتراك، وهذا يعني ان كل شيء يتغير، فلماذا لا يستفيد السوريون من هذا الواقع، ما دام كل مناخ المنطقة، يشهد تغيرات او انقلابات في العلاقات، تقترب من حدود السحر السياسي وفنونه.
الأردن هنا، مثلا، ربما لديه استعداد كبير، ان ينفتح على السوريين، اكثر، حتى على مستوى العلاقات السياسية العليا، وعلى مستوى اللقاءات، وتجاوز كل التعقيدات، وعدم الارتهان فقط الى مسرب العلاقات الاقتصادية، خصوصا، في ظل عقوبات قيصر على سورية، التي يراد عبرها، مواصلة اضعاف النظام، من اجل إعادة تأهيله وليس تغييره، او ازالته عنوة، لكن الأردن من جهته، يتأثر بعوامل إقليمية ودولية، يجعل الانفتاح على السوريين مرتبطا بملفات كثيرة ثانية، وهناك من يدعو في الأردن، الى ان تسارع عمان لمصالحة دمشق، وألا تكون آخر الواصلين.
الذي يحدد الموقف من السوريين اليوم، ارتباط دمشق الرسمية، بالإيرانيين والروس، والتنافس أيضا بين الإيرانيين والروس في سورية، ثم السلسلة الممتدة من لبنان الى سورية، وعلاقة حزب الله، وإسرائيل، بكل هذا المشهد، ومن هذه الزاوية فقط، يدار الموقف اليوم، من النظام السوري، الذي على ما يبدو غير مهتم كثيرا بالتغيير، لسببين، أولهما ان الخروج من معسكره التقليدي له كلفة أيضا قد لا يستطيع دفعها لحاضناته الحالية، وثانيهما ان خروجه قد يكون محفوفا بالخطر، ويعرضه لحسابات اكثر تعقيدا، بما يجعله يسأل عن المنفعة والجدوى من وراء إعادة التأهيل؟
كل شيء يتغير في الإقليم، فمن كان منكم يصدق مثلا ان يقترب الاتراك من المصريين، ومن كان منكم يصدق مثلا، ان يحدث هناك تقارب بين المصريين والقطريين، ومن كان منكم يصدق ان يجتمع الايرانيون في بغداد مع خصوم عرب، ومن كان منكم يصدق كل هذه التغيرات في خريطة الإقليم، التي لا يمكن أيضا ان تستثني السوريين، الى ما لا نهاية، ولم يبق إلا ان نتوقع ان يصالح الاتراك دمشق، ولحظتها فلن يشعر احد بالدهشة او الذهول، فهذا موسم التقلبات.
هذا السياق في المنطقة، سوف يشمل السوريين قريبا، لولا العقدة الإيرانية والروسية وطيف امتدادهما، وهي عقدة قابلة للفك ضمن تفاهمات، ولا يعقل هنا، ان تنال التغيرات من كل خريطة المنطقة، ويتم استثناء دمشق، التي بدأت أصوات تطالب علنا بعودتها لجامعة الدول العربية.
بالمقابل هناك رأي آخر، يقول إن كل التغيرات والتقلبات في المنطقة، لا تعني استفادة السوريين من إعادة صياغة العلاقات، بل تعني عزلهم ومعسكرهم اكثر، لصالح معسكر جديد يتشكل، ويعد هذا الرأي رأياً قابلا للنقاش والتشكيك، وهو رأي بحاجة أيضا الى اثبات، لأن لا أحد يعرف اذا كان ذلك سيقود بالضرورة الى تشديد عزلة دمشق وايران والروس، حقا، ام سيؤدي الى استفادة غير مباشرة، عبر قبول النظام لمشروع تأهيله، نهاية المطاف، وفقا لمواصفات إقليمية ودولية، قد تكون مقبلة على الطريق، وضمن تسويات أوسع، تشمل ايران، لبنان، حزب الله، وما تريده تل ابيب.
المؤكد اليوم، ان لا توجه لتغيير النظام السوري، بعد ان فشلت الثورة بشكل واضح، وكل ما سنراه فقط سيناريو تأهيل النظام، سواء ببقاء رأسه الحالي، او بتغييره، لكنه في الحالين باق.