في عيد الدستور الـ56 ما زلنا احياء ولم نمت بعد !
الشريط الإخباري :
اليوم تدخل « الدستور « عامها ال56 ، رحلة طويلة وشاقة حقا ، سنوات من عمر الصحافة الاردنية غبارها التفح بالاثارة والتنوير . ومسيرة طويلة وثرية من عمر الدولة الاردنية التي تحتفل بمؤيتها .
من اعوام تهاوى الحديث عن الصحافة ، وامتزج بالرثاء والوقوف على الاطلال ، ومجد الصحافة الاردنية تهدم ، وشهدت الصحافة مراحل من الصعود والافول ، ودخلت الصحافة الورقية بفعل تطور الاتصال الرقمي وغيره الى غرفة الانعاش ، وما زالت تستلقي على سرير الموت او الشفاء .
و انا اختصر دائما ازمة الصحافة باستعادة الثقة بالراي العام ، وهذا ليس مستحيلا ، وبالمهنية والحرية الصحفية ، والعودة الى قواعد ومعايير مهنية في النشر والكتابة دون تجاوزها .
و لا حجب للاخبار وعدم نشر ، فالاخبار التي تحجب هنا وهناك يتابعها القراء على منصات اخرى ، وتكريس مبدا التنوع الطبيعي في الاراء ووجهات النظر والتصورات العامة .
لا صحافة دون حرية .. وكلمة السقف نسبية ، والكلام الزائد عن السقف يقلق كثيرا ، واذا ما غابت الحرية فان القاريء يفقد الثقة في الصحفي والصحيفة والمادة الاخبارية ، ولربما ان الحرية ليست كافية وحدها ما لم يتسلح الصحفي في المهنية .
الدستور مدرسة صحفية ، وهي تقاوم بادوات صحفية مهنية الزحف الاعلامي الهائج في السويشل ميديا والاعلام الجديد ، والاخير هدم وتجاوز كل ادوات النشر المهني ، واربك الراي العام وخلق حالة فوضى وبلبلة ، وزاد من هوة عدم الثقة بين المواطن والدولة .
في الاردن 3 صحف ، وهي 3 مدارس ايضا .. الدستور والراي والغد .. ولكل صحيفة شخصية خاصة في التحرير وكتابة العناوين وصياغة الاخبار واختيار الزوايا والاهتمام في القضايا العامة وتوضيب الصفحات ، وكما لو انها كانت نسخة واحدة فلا طعم ولا لون ، ولا تاثير .
الصحافة مرض وادمان ، وان اميل الى الراي الذي يقول ان الصحفي يولد غريزيا صحفيا ، وكاي مهنة ابداعية / كالشاعر والروائي والفنان والرسام والنحات .. ولا اخطر من تمكن الصحافة من صاحبها ، وترى العالم من حولك خبر وما وراء الخبر .
انضممت الى اسرة الدستور عام 2007 ، وقادما من الصحافة الاسبوعية واخر قلاعها كانت شيحان قبل الاغلاق النهائي . وجولتي الصحافة الاسبوعية كانت قصيرة ، ولم تتعد حاجز خبرة العام الواحد .
واذكر من اول يوم عملت في الدستور، وبعدما التقيت رئيس تحرير الدستور الراحل الدكتور نبيل الشريف، وخرجت من مكتبه لاكمال رحلة الانضمام الى اسرة الصحيفة، وتوجهت الى مكتب الزميل احمد شاكر -الله يعطيه الصحة والعافية - ومن اللقاء الاول قال لي ابو شاكر : يبدو انك تحب السير عكس الريح، واقرا في كلامك وتعليقك مواقف مشاغبة.
حلمي ان اكتب، وان اعيش لاكتب. وثمة امور وقضايا كثيرة لا يتوفر الوقت للكتابة عنها، ولكن اللحظة المناسبة ستاتي يوما ولا بد ان تاتي. اريد فقط ان اقرا واكتب. وهذا هو عشقي الابدي. نعم، احب هوايات اخرى، ولكني لا اقدر على التخمين والتفكير باني ساكون يوما خارج قفص الصحافة وحدائقها الجرداء .
انا عملت في الصحافة مؤمنا بهواجس دائما تسكني حول : الانسان والحرية والمجتمع والدولة والاخر والتعددية. ومؤمنا ان الانسان المفكر سواء كان صحفيا او شاعرا او اديبا او سياسيا او باحثا من واجبه ان يكسر تابوهات المالوف، ولا يقرا الواقع الساكن من زوايا قريبة، فكلما اطلت النظر من بعيد وتعمقت في التفكير وما ورائية فانت تسير وتتصادم مع امواج الحقيقة.
و انا اصطلح تسمية ذلك باعادة « تعريف الصحافة» . فما تعانيه الصحافة اليوم ليس جديدا، بل قديما وموروثا. من نماذج لصحافة الابتزاز والابتذال وصحافة التصفيق، وصحافة الوشايات، وصحافة مندوبي المبيعات والكول سينتر.
معركة تعريف الصحافة وتطهيرها وحماية المهنة طريقها ليس مزروعا بالورد، وما كان في يوم من الايام كذلك. نعرف انك تصنع كل يوم اعداء وخصوما جددا، وتعرف انك في حكم ظروف معقدة وصعبة سياسية واقتصادية وثقافية ومهنية تحارب وتواجه معيقات ومعطلات كثيرة، وحروبك قد تكون دينكوشتية.
تحتفل الدستور اليوم في عيدها 56 ، ويقود رئاسة تحريرها الصديق الزميل مصطفى الريالات وفريق من زملاء يحبون الصحيفة ومؤمنون بان موت الدستور والصحف اليومية الكبرى من سابع المستحيلات. واننا ملزمون مهنيا ووطنيا واخلاقيا للنضال حتى اخر لحظة من اجل ديمومة وحماية حياة الدستور وغيرها من الصحف.