عندما يتجاوز الوطن حدود الموقع والمساحة عيد الاستقلال وقصته
الشريط الإخباري :
السفير قيس شقير
رئيس بعثة جامعة الدول العربية/ البرازيل
تلكمُ هي قصة الأردن، وطنٌ تجاوز حدود الموقع والمساحة، فكان الحلمُ وطنًا عربيًّا كبيرًا, يلبي طموحات أمته لكيانٍ جامعٍ ووحدةٍ عربيةٍ طال الاشتياق لها. ولأن رياح الحرية لم تجد السفن متأهبة للإبحار بنيّةٍ مبيتةٍ من قبطانٍ أغرته بطولاتٌ زائفةٌ لم تقوَ إلا على استعمار الشعوب، حطّ الرحال بحاملي لواء الثورة العربية الكبرى في عمّان، البلدة الوادعة، لاستدراك ما أمكن من حلمٍ، فبدأت حكاية وطنٍ محدود المساحة والإمكانات، ليكبر بعزيمة أهله، وحكمة قيادته، ويغدو الأجمل، وإن كان بحجم بعض الورد، إلا أنّه له شوكةٌ ردّت إلى الشرق الصبا.
كثيرةٌ هي الأمثلة من حولنا لدولٍ فاق دورُها مساحتَها وعدد سكانها، فالإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس كانت وما تزال محدودة " الحجم"، واليابان التي تملأُ صناعاتها العالم هي كذلك. وأما سنغافورة فشاهد على الإرادة التي تصنع من العدم قصص نجاحٍ.
وأما وطني، فقد ولد كبيرًا رغم صغر مساحته، شاء أميره بعزيمة أهله وأحرار أمته أن ينقذ حلم العرب بالوحدة والمنعة والاستقلال، فوضع حجر الأساس لوطنٍ يكبر فيتسع لأمته، فكان جيشه الجيشَ العربي، ومواطنه أردنيًا جذوره ممتدةٌ شرق النهر وغربه، إلى حجازٍ وشآم، وإلى أرض كنانةٍ ومغربٍ وقوقازٍ، وإلى ما هو أبعد. فقام الأردن عزيزًا، يُثري ثقافتَه تنوّعُها، ويحتّمُ عليه الموقع واعتباراتٌ جيوسياسيةٌ أن يكون دائمُا محورًا مؤثرًا في تاريخ المنطقة، والأكثر تأثرًا، فما كان إلا ما أراده المحبُّ منا أن نكون عروبيين قوميين، لم نتأخر يومًا عن أداء واجبٍ، وكنا للقدس أقرب، وما زلنا، يشهد على ذلك ضريحُ مطلق رصاصة الثورة العربية الكبرى، والذى أبى ألّا يحتضنه غيرُ ثرى القدس، لتظل العهدةُ المقدسيةُ والوصايةُ الهاشميةُ بين يدي أبناء هاشمٍ، يذودون بعزمٍ عن حمى مقدساتنا إسلاميةً ومسيحيةً.
وتستمر الحكاية، حكايةُ الوطن، بناءً وعمرانًا، بناءَ إنسانٍ، فهو أغلى ما نملك، وبناءَ عمرانٍ لا يقتصر على حجرٍ، إذ العمرانُ ثقافةٌ، وحضارةٌ، وحضورٌ سياسيٌ على مختلف منابر الدبلوماسية العربية والإقليمية والدولية، حضورٌ اقترن بذكر الراحل العظيم الحسين، بنى عليه جلالة الملك المفدى عبد الله ابن الحسين، فحفظ الإرث وأدام للأردنٍ مكانته، وللأردنيين اعتزازهم بأردنّهم.
ولم تنته الحكايةُ، حكايةُ الوطن، فالتحدياتُ الاقتصاديةُ والأمنيةُ والاجتماعيةُ والثقافيةُ والسياسيةُ حولنا جسامٌ تقتضي منا الالتفاف حول قيادة جلالته، لنبطل ما أُريد بنا من سوءٍ.
فكل عامٍ وبلدنا بخيرٍ، وكل عامٍ وأهلنا بخيرٍ، وكل عامٍ ووطننا عزيزٌ بعزة أهله، والتفافهم حول راعي مسيرة الخير، مسيرة الوطن، جلالة الملك المفدّى.