رحيل سعد المجالي
كان كركياً بوعي، أردنياً حد النخاع، فلسطيني الولاء والخيار، قومي السياسة، بدون ادعاء أو تزلف، كان يرى نفسه عنوان التواصل والشراكة، جسر العبور بين الأردن وفلسطين.
والده استشهد مع الراحل هزاع المجالي في حادث تفجير رئاسة الوزراء وسط العاصمة عمان شارع الملك حسين يوم الاثنين 29/8/1960، فكان الأثر الأول الذي أيقظ وعيه كطفل فقد والده بدون أن يعرفه، فتربى يتيماً يسمع ويقرأ عن الإنفجار الذي أفقده والده، وأضافت هزيمة حزيران 1967 واحتلال الضفة، وجعاً له وعليه، ودفعته معركة الكرامة يوم 21/3/1968 كي يختار طريقه لمواجهة الفقدان والوجع والبحث عن الكرامة والانتصار حينما تجاوز طفولته ومراهقته.
لم يمتلك مفردات الثرثرة، ولكنه سعى نحو أدوات الفعل، كي تحفظ له مكانته كونه ابن شهيد، من عائلة المجالي الكركية، فاختار أن يكون كما وصف نفسه «جندياً في صفوف الثورة الفلسطينية»، هكذا كان، وعمل وواصل في كل موقع شغله، من حصار بيروت إلى الرحيل نحو تونس إلى أن شغل محافظاً في أبوديس لدى السلطة الفلسطينية على أرض الوطن، بعد عودة العنوان الفلسطيني ومؤسساتها إلى الوطن الفلسطيني.
شقيقه كان محافظاً لدى وزارة الداخلية الأردنية، وهو محافظ في وزارة الداخلية الفلسطينية، يتباهى في ذلك، تأكيداً على صلة الوصل، أن الأمن الوطني لكلا الشعبين، يرتبطان مع بعضهما، وها هو وشقيقه يدللان على ذلك، على أننا كأردنيين وفلسطينيين في خندق واحد، في مواجهة المستعمرة الإسرائيلية، ومشاريعها التوسعية الإحلالية.
كان يفخر أن مفلح كايد العبيدات، أول شهيد أردني على أرض فلسطين قبل ولادة الدولة الأردنية في العشرينات، لأن الأردنيين كانوا ضد وعد بلفور وضد تقسيمات سايكس بيكو وضد قيام المستعمرة الإسرائيلية على أرض فلسطين، وأن الشهيد أحمد المجالي الطالب في جامعة موسكو، استشهد متطوعاً في صفوف الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
قيمة سعد المجالي، أنه رمزية معنوية وطنية أردنية مضافة في تقديم رقي النموذج الأردني في الإنحياز لفلسطين ضد المستعمرة الإسرائيلية التي تعمل على بلع فلسطين، وتعمل وستحاول رمي القضية الفلسطينية مرة أخرى وتبعاتها خارج فلسطين، وتداعياتها على الأردن والأردنيين، مما يستوجب النضال المشترك الأردني الفلسطيني أولاً من أجل حماية الأردن وأمنه واستقراره، وثانياً من أجل حرية فلسطين، هذه المعادلة أدركها سعد المجالي، ونال من أجلها، ولكن القدر لم يسعفه لأن يكون شهيداً رغم مواقعه الكفاحية التي شغلها بصفوف القوات الفلسطينية ومعاركها.
لسعد وخياره، وما آمن به المجد والخلود، ولكل الذين قضوا من أجل الأردن، ومن أجل فلسطين..