المعارضة الأردنية ما بين الحقيقة والردح والأنانية..
الشريط الإخباري :
بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي .
اذكر أنني بعد أن تقاعدت من جهاز الأمن وبدأت حياتي الجديدة في الحياة المدنية بعد خدمة 33 عام في السلك العسكري الشرطي ، تفاجئت بوقائع وحقائق لم تكن تظهر علينا سابقا، أو أننا لم نكن نراها بحقيقتها كما رأيناها بعد الإحالة للتقاعد ، ولهذا كان واجبا وطنيا علينا أن ننخرط في مثل هكذا نشاطات تهدف إلى الإصلاح بالوطن حتى لو كانت هذه النشاطات ضد توجهات الساسة أو اصحابين مراكز القوى وخبايص الحكومات وفسادها ، ولهذا بدأنا بسياسة الإنتقاد والتوجيه ومن ثم نقوم بطرح الحلول ، وكان ذلك كله من خلال اللايفات أو الرسائل أو المقالات على سائل الإعلام المختلفه .
وفي أحد الأيام تم دعوتي لحضور إجتماع يضم قامات ورموز معروفة الأسماء ومخبورة بمواقعهم ممن كان بعضهم يحملون الرتب العاليه من الجنرالات أو ممن كانوا وزراء أو سفراء ومحافظين خدموا سابقا في سلك الحكومة ، وأشخاص أخرون لم نكن نعرفهم ولكنني لاحظت أنهم كانوا من الذين لا يهكلون هم مخالفة القوانين او العقوبات في السجون .
تكلمنا بالإجتماع عن حاجة الوطن إلى معارضة حقيقية تحافظ على وحدة الوطن ومقدراته ، معارضة تعزز الانتماء والولاء للوطن ولقيادته وتجمع لا تفرق ، ثم تكلمنا ايضا عن اوجاع الوطن وآلامه بسبب فساد الحكومات المتعاقبة وحاجات المواطن والوطن ، وكان الطرح من الكلام في البداية جميل جدا ورائع ، ولكن عندما أردنا أن ننتخب لجنة لإدارة هذا الملتقى ورئيس لهذه اللجنة، بدأت الخلافات تدب ، وصار هناك همز ولمز و تحالفات وتآلفات ، وقمت انا بطرح إسم أحد الأشخاص الموجودين بالاجتماع من الذين تم توقيفهم على رأيهم المعارض للحكومة وسياساتها الفاشلة ، حيث كان هذا الشخص نائبا سابقا ولكنه قدم استقالته من مجلس النواب عندما شرعوا مادة قانونية لا تسمح بالإزدواجية للجنسية لمن هم من النواب ، ولكنه رفض أن يتولى رئاسة اللجنة ولهذا بقي الحال بدون رئاسة إلى فترة زمنية .
بعد اجتماعنا بأيام اكتشفت ان هناك أشخاص من المتزعمين لهذا الإجتماع كانوا اجتمعوا المسؤولين بالدولة ، والبعض منهم قد طلب مقابلة جلالة الملك بدون علم اللجنة ، كما واكتشفت بأن هناك أشخاص لهم مصالح شخصية بالدولة يريدون الحفاظ عليها ، وأخرون يريدون أن يفرضون حالهم على الملك من أجل تشكيل حكومات أو تعيينهم هم أو أبنائهم سفراء ، والبعض الأخر كان همه أن يحصل على إعفاءات من الغرامات التي ترتبت عليهم أو على شركاتهم الخاصة.
المهم أنني وجدت أن هذه المعارضة هشة ولن تدوم طويلا ،لا بل سوف تنهار بمجرد أن تم تلبية مصالح افرادها .
وكما هو الحال بالداخل فإن المعارضة الخارجية التي انطلقت وظهرت كانت بسبب هروب متزعمينها من قضايا حقوقية وجزائية ترتبت عليهم داخل البلد وصاروا مطلوبين أمنيا ، وكلنا شاهدنا بعضا.من زعمائهم الذين بمجرد أن حصلوا على ما أرادوا عادوا عن طريق المعارضة وصارت جيوبهم مليانه صمتوا ووبصموا على الخنوع واختفوا من وسائل الإعلام .
نريد ان أرى معارضين يدفعون من جيوبهم لأجل المعارضة أو يضحون بزمن من حرياتهم ، ولكن ويا للأسف لم نرى إلا عدد قليل قد لا يعد على الأصابع ، فالأغلبية منهم يريدون أن يتكسبون إيرادات ماليه من التواصل الإجتماعي، أو ببعض الإبتزازات المالية من المسؤولين بالدولة ، فمنهم من قبض ثمن حراكه وممارسته وصمت ، ومنهم من يحاول أن يمنع عن نفسه اجراءات جزائية أو يحمي نفسه من عقوبات مستقبليه قد توقع عليه أو على أولاده .
المعارضة الحقيقية التي نريد هي المعارضة التي يكون فيها تضحيات بالمال والنفس دون تفكير أو ندم ، المعارضة الحقة هي التي تقوم بطرح برامج اقتصادية وسياسية وبالارقام الصحيحة لا بالوهمية والإشاعات الهدامة .
المعارضة الحقيقية هي التي تنادي بوحدة الوطن في التراب والأصل والمنبت وتدعم القضية الفلسطينية ، وتنتمي للقيادة مع حقهم بنصحها وارشادها .
المعارضة الحقيقية هي التي تّعظم الإيجابيات وتنتقد السلبيات وترى الوطن بعيون المحبين لا بعيون الحاقدين والكارهين .
لا نريد معارضة شوارعية نهجها قدح الأعراض والسب والشتم والتخوين والابتزاز المالي .
لا نريد معارضة ترى في الأنظمة الدكتاتورية المجاورة والدموية مثالا يحتذى وانموذجا يحتذى بالقيادة .
المعارضة التي نريد هي التي تعين وزراء بالظل لكل وزير وتقدم النصح والمشورة له ولوزارته ، وتتقدم بالشكاوي القانونية على الفاسدين وتفضح الفساد بالحقائق ولا تخلط الحابل بالنابل .
المعارضة الحقيقية ليس فزعة عشائرية وانما هي نهج وسياسات تبنى بالحقائق والأرقام وتطرح المشكلات ومن ثم تجد الحلول لها .
المعارضة التي نريد هي التي لا تقسم البلد والشعب بين أشخاص وتتحكم بها العاطفة، وتثير الفتن الدينية أو الجغرافية أو العشائرية .
المعارضة ضرورة وليست ضرر إلا إذا كان من يقودها أصحاب المصالح الضيقة الذين تنمروا عندما فقدوا المكاسب والحقائب فتمردوا ، وعندما يتكسبوا فإنهم ينسحبوا ويصمتوا أو يصفقوا ويصبحون ضررا لا ضرورة .