مدد يا صاحب المدد...

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

سعيد الصالحي

"مدد يا الله مدد" في كل صباح وبعد أن تشيعني زوجتي أو أحد ابنائي نحو باب المنزل، أشيع كل صباح كأنني أغادر عالمي الصغير إلى عالم أكثر وحشة وأكثر غربة رغم كثرة الوجوه وعلى الرغم من تنوع مظاهر الحياة الطبيعية، وبعد أن أستقبل أولى نسمات الصباح التي تهب علي متدحرجة  من أعالي شارعنا، ألوكها في رئتي من خلال نفس عميق وأقول متفائلا "مدد يا رب"، ثم أعود بسرعة نحو منزلي قبل أن تبتعد زوجي عن باب المنزل، فقد نسيت أن أشرب دواء الضغط، فحبة الضغط هذه جديدة على برنامج حياتي اليومي ولم أعتد عليها بعد، وفي كل يوم أقرر أن أحتفظ بعلبة دواء أخرى للضغط في مكتبي وفي كل يوم أؤجل تنفيذ القرار -وأظن أنني لست الوحيد الذي يعتقد أن التأجيل وسيلة لعلاج مرض ارتفاع كل شيء ومنها إرتفاع ضغط الدم- وبعد أن تشيع  روحي مرة أخرى نحو الشارع واستقبل نسائمه التي لم تنعشني، فينقبض قلبي وأنطق جملتي اليومية "مدد يا رب مدد".

وبمجرد وصولي إلى مكتبي تبدأ دوامة العمل اليومية التي تتشابه عند الجميع ما بين عميل -آسف أقصد زبون-  يعتذر عن الموعد أو لا يرد على الاتصال، ومهاتفة من مورد ليطالب بدفعة مستحقة، ثم زيارة من مندوب شركة التأمين يليها أتصال من البنك لتذكير بالقسط الشهري الذي تأخر لمدة أربعة أشهر وهكذا طوال النهار وعندما تكون محظوظا تبيع ببضعة دنانير بعض المنتجات أو الخدمات، ويكون الفاصل بين هذه النشاطات والاتصالات الكثير من العصبية والسخط، ولن أقول اللعنات لأنني خجول لينتهي اليوم كما بدأ "لا جديد" سوى زيادة الالتزامات وتراجع الايرادات بمقدار يوم جديد.

وبعد أن نتبادل والزملاء تحيات المساء نتوجه كل إلى منزله مرورا  بالبقالة وبائع الخضار ثم المخبز حتى نصل إلى منازلنا والرغيف ما زال ساخنا على الرغم أن زوجتي قد أوصتني ألا أحضر خبزا لأن لدينا كمية كبيرة تكفي أربعة ثلجات متتالية، ولكنني رجل شرقي لا يخالف كلام زوجته إلا في الأمور التي تتعلق بكميات الخبز والخيار والبندورة.

وأعود إلى منزلي منهكا نفسيا وذهنيا وبدنيا أتعشى ما أعدته زوجي وأجلس ساعات أداعب هاتفي النقال متنقلا بين الاخبار ومنصات التواصل والتراسل والالعاب وتمر الساعات سريعة كأنها تعمل مع الحكومة لتستعجل قدوم النهار ليزداد إيرادهم ويزداد مصروفي.

وبيني وبينكم ليس ذنب الحكومة أن أولادي في مدرسة خاصة وليس ذنبها أن لدي سيارة خاصة تحتاج المحروقات ولا استقل وسائل النقل العام، وكذلك أنا كثير غلبة ومفلسف زيادة عن اللزوم فأنا أزور المستشفيات الخاصة بدلا من مستشفيات القطاع العام لأقيس ضغط الدم، ورغم كل هذه المصاريف التي تعرفها كل الحكومات العربية إلا داوئر ضريبة الدخل لديها، هذه الدوائر التي تبدأ كل يوم بعبارتها الصباحية الأكثر فعالية  "يا فتاح يا عليم" و "مدد مدد" ولكن لا أعرف لمن يرسلون طلب الاستغاثة والعون والمدد.

أما أنا كمواطن عربي فكشفت شعري ووجهت ندائي ورجائي لله سبحانه وتعالى وحده، فرحماك يالله ومدد يا صاحب المدد.

وكل عام وانتم بخير ونهيب بأخواتنا وبناتنا العاملات ضرورة الافصاح عن عيدياتهن في الاقرار الضريبي الشخصي حتى لا يضيع حق الحكومة في العيدية.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences